السوق العربية المشتركة | العلاج فى مستشفى أبوالريش جحيم لا يطاق وطوابير «من الفجر» لتعذيب المرضى

السوق العربية المشتركة

السبت 16 نوفمبر 2024 - 01:23
رئيس مجلس الإدارة
أمانى الموجى
رئيس التحرير
أشرف أبوطالب

العلاج فى مستشفى أبوالريش جحيم لا يطاق وطوابير «من الفجر» لتعذيب المرضى

محرر السوق العربية يتحدث مع المواطنين
محرر السوق العربية يتحدث مع المواطنين

الخدمات الصحية والعلاجية متدنية وبنك الدم يستغل المرضى.. والآباء والأمهات يشكون من التقصير والاستهتار وسوء المعاملة والإهمال


طوابير وزحام فوق الأرصفة وفى مختلف الطرق المؤدية إلى الطوارئ والعيادات.. كل ينتظر سماع اسم ابنه أو ابنته أو حفيده فى قوائم الانتظار التى تضم الآلاف.. جاءوا أفرادا أو جماعات قطعوا آلاف الكيلومترات من النجوع والقرى من بحرى وقبلى ومن شرق مصر وغربها بعضهم يبحث عن لوكاندة أو أحد أقاربه ليبيت لديه قبل أن يتجه فجرا إلى المستشفى والآخر يضطر إلى النوم فى الشارع أو على الرصيف أمام بوابة مستشفى أبوالريش للأطفال أو كما قالوا لنا «مستشفى الجحيم» وحتى يتخذوا موقعا متقدما فى طوابير العذاب الصباحية ويتمكنوا من حجز تذكرة الكشف مبكرا، أطفال فى عمر الزهور تتحرك لها القلوب المتحجرة إلا هؤلاء الذين يستقبلونهم فى هذه المستشفى الذين يعانون فيه الأمرين حتى يحصلوا على العلاج أو يتمكنون من إجراء جراحة عاجلة فإذا أوجد أهلهم أكياس الدم الذين يشترونها بأعلى التكاليف لا يجدون الدواء وإذا أحضرت الممرضات يغيب الأطباء والدنيا سايبة، والمسئولون وكأنهم فى غيبوبة والنتيجة استنزاف لأموال المرضى الفقراء وزيادة أوجاعهم وآلامهم وعذاب مستمر لمرضى الشلل الدماغى والإعاقة الحركية وفيروس «سى» بمجرد أن تنظر إلى الشارع المحيط بمستشفى أبوالريش اليابانى للأطفال ذلك الصرح الكبير التابع لكلية قصر العينى جامعة القاهرة ستجد العديد من المرضى يفترشون مداخل وسلالم المبانى والطرقات والأماكن المواجهة لشباك التذاكر ومن لم يجد له مكانا افترش الأرض بانتظار دوره فى طابور طويل وظهرت عليهم جميعا أعراض اليأس والإرهاق من كثرة السعى وراء الحصول على رعاية صحية وعلاجية مناسبة والزحام الرهيب وقبل الكلام مع بعض المرضى أردت لقاء مدير المستشفى، فمنعنا أفراد الأمن من الدخول وقالوا إنه مشغول وتعلل بعدم وجود تصريح رسمى من وزارة الصحة.

غلابة بدون علاج

جريدة السوق العربية كالعادة استمعت لصرخات العديد من المرضى المترددين على المستشفى لتقترب أكثر من الصورة وتعرف ماذا يجرى معهم وماذا ينتظرهم من مصير مجهول حثا عن العلاج المجانى.

صبرى فراج 55 عاما من محافظة المنيا التقيناه ساعة قدومه للكشف بمستشفى أبوالريش للأطفال قال: وصلت إلى المستشفى الساعة الخامسة فجرا لحجز مكان فى شباك التذاكر، حفيدى يعانى من قصور الدورة الدموية للمخ وبعد بهدلة وذل امتد لشهور طويلة على أبواب المستشفيات الحكومية طالبنى المسئولون بالتوجه إلى مستشفى أبوالريش الجامعى، وأكد أن أغلب الأدوية التى يضعها له الأطباء يضطر لشرائها من الخارج بخلاف التحاليل العادية التى بلغت 80 جنيها وهذا يفوق طاقته ويضيف جد الطفل محمد اضطررت إلى الاستدانة من الأهل والأصحاب للإنفاق على الخدمات الصحية من التشخيص والأشعة والتحاليل المعملية والإقامة داخل المستشفى لعلاجه ويواصل الجد ونحن فى مأساة هنجيب منين والحياة مرتفعة الثمن حتى الرعاية الصحية مش هتوفرها لنا الدولة دى حاجة لا ينفع السكوت عنها، والنتيجة استنزاف أموال المرضى ويتساءل هل تحولت مهنة الطب إلى تجارة بهذه الصورة المسيئة اللى لاحظتها؟

إجراءات تعقيدية

هبة.. زهرة بريئة تفتحت أوراقها قبل ثمانية شهور الأب يعمل فلاحا باليومية ولا يوجد له مصدر رزق ثابت يساعدهم على مواجهة مصاعب الحياة الطفلة هبة تعانى من ضمور فى المخ بسبب نقص الأكسجين منذ ولادتها ثم تدهورت حالتها بشدة وأصيبت بآلام شديدة بأطراف اليد والقدم وأظلمت الدنيا أمام والد الطفلة الذى لم يجد أمامه إلا التوجه إلى المستشفى لعلاج طفلة الشلل الدماغى وسكت والد هبة للحظات وعاد قائلا مستشفى أبوالريش أملنا الوحيد للشفاء فأنا خائف من نفاد الفلوس المتبقية معى ماذا سأفعل وقتها؟!

حالة استياء

التقط خيط الحديث سامى عبدالفتاح موظف والد الطفلة ندى التى تبلغ من العمر خمسة شهور مريضة بالتهاب فى المفاصل منذ ولادتها وتحتاج حالتها إلى تجبير عظام الذراعين والساقين مرة كل أسبوع وهو ما يتطلب عناية طبية مستمرة وقال الأب: أنتظر فى طابور طويل ملىء بالأمهات والآباء من الساعة الرابعة فجرا حتى الساعة التاسعة لحجز تذكرة بسعر خمسة جنيهات لكى يتم الكشف على ابنتى المريضة لبدء علاج تثبيت العظام لكن حتى الآن لم يفتح شباك التذاكر كما أن أمن المستشفى يمنعنا من الدخول وأنا أعانى وزوجتى وابنتى من كثرة التعب والمشقة والمرض.

ماذا نفعل؟!

من الشرقية جاء محمد حسن والد الطفل مصطفى عمره سنتان يعانى من كسر فوق الركبتين وأمله فى الحصول على الجهاز اللازم لمساعدتها فى الحركة وقال: الحياة أصبحت صعبة ولا تطاق فالمستشفى لا يقوم بتوفير الرعاية الصحية والعلاجية الملائمة وكفانا كلاما ووعودا مزيفة ظاهرها الشفقة وباطنها العذاب والمرار، فأنا لم أقدر على تحمل أعباء نفقات العلاج المكلفة فى ظل ظروفى المعيشية الصعبة خاصة أننى أعول ثلاثة أبناء مازالوا صغارا لذا نطالب وزير الصحة بتوفير الرعاية الصحية والعلاجية اللازمة لإنقاذ أبنائنا المرضى بعدما أصبحت حياتهم مهددة بخطر الموت ولابد من إيجاد حل سريع ويتدخل سيد وصفى من محافظة المنصورة والد الطفل محمود ذو السبع شهور مصاب بالمياه الزرقاء على العين حكى الأب معاناة ابنه الصغير مع المرض وأعينه تفيض بالدموع قائلا بأسى شديد ذهبت إلى مستشفى النيل للتأمين الصحى بالمنصورة حتى أعالج ابنى الذى يحتاج إلى كشف وتشخيص جيد لحالة فقد الرؤية لديه لكنها حولتنى بخطاب رسمى إلى مستشفى أبوالريش الجامعى لإجراء فحص العينين وعملية جراحية بسرعة قدر الإمكان ومازالت أنتظر دورى على أبواب المستشفى منذ قدومى السابعة وحتى العاشرة صباحا وأضاف والد الطفل محمود أنا موظف بسيط لا يزيد دخلى على 400 جنيه شهريا ولا يمكننى الإنفاق على ابنى المريض وأوفر له الرعاية الصحية والعلاجية على حسابى الخاص لذا أتحمل مشقة الانتظار.

مطلوب الرحمة

أما منى أحمد أم لـ«ولد وبنت» من محافظة بنى سويف فأزمتها فاقت كل الحدود فقد أصيبت ابنتها بورم فى الثدى وكانت تحتاج إلى أشعة تمهيدا لاستئصال الورم لكنها ظلت تنتظر الدخول من الساعة السابعة والنصف إلى العاشرة صباحا من غير فائدة كما قالت. معاناة عم عصام الرجل السبعينى ليست الوحيدة فى مستشفى أبوالريش الجامعى المزدحم بالمرضى القادمين من شتى محافظات مصر لعلاج ابنته المصابة بفقر الدم، حيث نصحه الأطباء بإجراء عدة فحوصات منها فحص نبضات القلب والتنفس وفحص حجم الكبد والمرارة من خلال التصوير بالموجات الفوق ضوئية من أجل معرفة نوع فقر الدم ويقول الأب المرهق أنا جئت لكى أكشف على ابنتى من الساعة السابعة صباحا إلى أن تم الكشف عليها فى تمام الساعة الحادية عشرة مما أسفر عن ضياع ساعات النهار.

عذاب مريضة الكبد الوبائى

بعد رحلة كفاح طويلة مع مرض الالتهاب الكبدى الوبائى «سى» توفى الأب منذ عامين وكان يعمل بائعا متجولا ترك خلفه أسرة مكونة من زوجة وأربع بنات تزوجت منهن اثنتان والثالثة «عبير» ترعى والدتها وأختها الصغيرة المريضة بنفس المرض وتتنهد الأم ثم تقول أتقاضى معاشا قدره 130 جنيها ادفع منهم 50 جنيها إيجارا للغرفة المقيمين فيها فوق سطوح إحدى العقارات بمنطقة مصر القديمة بخلاف فواتير المياه والكهرباء ومصاريف علاجها هذه الظروف الحياتية الصعبة للغاية تضطر إلى اللجوء إلى المستشفى لمساعدتنا العاجلة فى العلاج قبل فوات الأوان كما تناشد أصحاب القلوب الرحيمة تقديم يد العون لهم من أجل مواجهة أعباء الحياة.

طوابير فى كل مكان

الطفلة «مى» عمرها أربع سنوات تعانى من مرض أنيميا البحر الأبيض المتوسط مصاحبة لآلام فى البطن والصدر وفى بعض المفاصل وطفح جلدى مع ارتفاع فى درجة الحرارة وقال والد الطفلة مى ابنتى تحتاج إلى كشف دورى وفحوصات معملية سريعة للسيطرة على نوبات الآلم المتكررة وعلاجها من المرض نهائيا.

ومن قرية الشيخ حسين المنيا جاء حربى عبدالراضى 43 عاما الذى أخبرنى أنه جاء إلى المستشفى بعد أن ظهر على ابنه إيهاب عمره 12 عاما أعراض برد وسخونة مستمرة ناجمة عن التهاب الأعصاب وتمزق فى بعض الأوتار وقال والد الطفل إيهاب رغم أننى جئت فى الخامسة صباحا إلا أنه حتى التاسعة ولم استطع الكشف على ابنى المريض الذى يحتاج إلى إجراء عملية تطوير أوتار الأرجل بسبب الزحام وحالة الطناش داخل المستشفى وأشار إلى أن مستشفى أبوالريش طالبنى بالتوجه إلى مستشفى قصر العينى الفرنساوى لشراء أكياس الدم الذى سيحتاجها ابنى فى جراحة العظام وهى بمقابل مادى كبير حيث يصل تكلفة شراء كيس الدم نحو 350 جنيها إلا أن المستشفى يلزمنى أيضا بالتبرع بالدم بخلاف إجراء الإشاعات التليفزيونية والتحاليل العادية على حسابى الخاص وكل ذلك ليس فى استطاعتى القيام به.

الانتظار عذاب

نهلة طفلة لا يتعدى عمرها 18 شهرا حملتها جدتها وطافت بها على جميع المستشفيات العلاجية طالبة علاج أعين صغيرتها المصابة بالمياه البيضاء التى تؤدى إلى ضعف الرؤية ونصحها أطباء جراحة الأطفال بإجراء عملية زرع عدسات فى أقرب وقت ممكن كما طلبوا منها عمل أشعة تليفزيونية وتحاليل دم وتقول الأم وتدعى فوزية رمضان البالغة من العمر 21 عاما رغم المعاناة فى الدخول فى تمام الساعة الحادية عشر صباحا وقدومى أمام شباك التذاكر المزدحم بآلاف الأمهات والآباء من الساعة الثامنة والنصف إلا أننا نرحب بمزيد من الآلام والأوجاع فى سبيل إنقاذ ابنتى الكفيفة وعندما سألنا والدة «نهلة» عن تكاليف العملية اكتشفنا أنها ستتكلف 25 ألف جنيه وهى ابنتها الوحيدة وحالتها الاجتماعية لا تمكنها من جمع هذا المبلغ الكبير فحملت صغيرتها وجاءت بها إلى مستشفى أبوالريش اليابانى للأطفال طالبة مساعدتها لإجراء جراحة لصغيرتها بعد أن طافت بجولة على المستشفيات والعيادات وعلمت أن هناك جراحة ستجرى لها.

أمراض خطيرة

من حلوان جاءت نورا خلف والدة الطفل «زياد» البالغ من العمر 12 سنة ويعانى من التهاب سحائى أكدت أم زياد أن العلاج المجانى أو بنظام مالى بسيط مهما كانت إجراءاته طويلة أفضل للمواطن الفقير الذى يتطلب علاجه أموالا كثيرة لا تتوافر مع الفقراء.

حق دستورى

لكن هل فى إمكاننا الآن أن نتعامل فعليا فى ظل رؤية واضحة للتطوير والتحديث لقطاع الصحة فى مصر، فيجيب علينا الدكتور محمد حسن خليل رئيس لجنة الحق فى الصحة قائلا إن العلاج المجانى هو حق دستورى لكل مواطن بأن تتكفل الدولة بتقديم الخدمات الصحية والتأمينات الاجتماعية لجميع المواطنين طبقا لبنود دستور 2016 كما أن ميزانية الصحة تقدر بمبلغ 74 مليارا و600 مليون جنيه حسب خطة ميزانية الدولة للعلاج ععلى نفقتها وأوضح رئيس لجنة الحق فى الصحة هناك قصور واضح فى قطاع الصحة الأمثل مطالبا بتطوير العنصر البشرى وإيجاد حلول حقيقية لإنهاء مشاكلهم وزيادة موارد الصحة وتقديم الدعم المناسب للأنظمة المالية والإدارية والفنية فى المجال الطبى بجميع أنواعه والتنسيق مع جميع مستشفيات ومراكز الرعاية الطبية فى القرى والمدن على أن تكون هناك خدمات صحية متميزة وعالية المستوى وتسعى إلى علاج الفقير.