إدارة «سد النهضة» تحتاج لتعاون ثلاثى بين مصر والسودان وإثيوبيا
الأستاذ الدكتور عباس شراقى رئيس قسم الموارد الطبيعية بمعهد الدراسات الإفريقية جامعة القاهرة والخبير الدولى فى مياه النيل لـ«السوق العربية»:
أكد الاستاذ الدكتور عباس شراقى رئيس قسم الموارد الطبيعية بعهد الدراسات الإفريقية بجامعة القاهرة والخبير الدولى فى مياه النيل خلال حواره لجريدة السوق العربية المشتركة أنه لا بد من وجود تعاون ثلاثى بين مصر والسودان وإثيوبيا لادارة سد النهضة وأنه لن تقوم حرب مياه بين مصر وإثيوبيا لان حصة مصر لن تتأثر بشكل كبير، لافتا إلى أن فيضانات السودان لن تفيد مصر لانها منطقة فقد للمياه وإلى نص الحوار:
فى البداية صف لنا الوضع الراهن فى منطقة حوض النيل وهل من تكتلات ضد مصر هناك؟
- تتجه بعض دول الحوض نحو التنمية بخطى واسعة مثل اثيوبيا ورواندا فى مجالات انتاج الطاقة والزراعة، والبعض منها يعانى من حروب أهلية مثل جنوب السودان أو توترات داخلية مثل بوروندى. ولقد عادت مصر ممثلة فى وزير الموارد المائية والرى لحضور الاجتماعات الوزارية لمبادرة حوض النيل فى 11-14 يوليو بكمبالا (أوغندا) بعد غياب 6 سنوات بسبب اعتراض مصر على بعض بنود اتفاقية عنتيبى التى وقع عليها دول المنابع عدا الكونغو الديمقراطية.
هل ترى ان دول المنابع فى حاجة ماسة للمياه، ما يجعلها تؤثر على حصة مصر مستقبلاً؟.
- سكان دول المنابع الذين يعيشون داخل حوض النيل ليس لديهم مشاكل كبيرة فى الحصول على ما يحتاجونه من مياه، لكن هناك بعض السكان خارج الحوض خاصة فى إثيوبيا وكينيا وتنزانيا يعانون فى الحصول على احتياجاتهم المائية خاصة بعد انتهاء موسم المطر، ونظرا للطبيعة الجبلية فإنه يتعذر نقل المياه من داخل حوض النيل إلى هؤلاء السكان عبر الجبال والأودية الصعبة. لكن طلب دول المنابع لحصة ليس بغرض الحصول على مياه بل فى النهاية الحصول على مقابل لتلك الحصة.
هل تستطيع دول المنابع بالفعل التأثير على حصة مصر من مياه النيل؟
- استطاعت دول المنابع تكمن فى إنشاء السدود واستخدام المياه فى الزراعة التى تستهلك أكثر من 90% من الثروات المائية فى تلك الدول، ولحسن الحظ أن الظروف الطبيعية والجيولوجية لا تسمح لدول المنابع التوسع فى استخدام المياه فى الزراعة المروية، وكل مؤهلاتهم تكمن فى الزراعة المطرية التى تشكل أكثر من 97% من الزراعة لديهم، وبالتالى التأثير على حصة مصر محدود لكن هذا لا يمنع من اتباع القواعد والقوانين والأعراف الدولية عند إقامة أى مشروع على نهر دولى من الاخطار المسبق والتعاون والتشاور للتأكد من عدم الضرر ذى شأن على أى دولة من دول الحوض.
ما استفادة تلك الدول فى حالة إقامة مثل هذه السدود على نهر النيل بالفعل؟
- الاستفادة الكبرى تكمن فى توليد الطاقة الكهرومائية الضرورية من أجل التنمية فى تلك الدول حيث ان معظم سكانهم (70-90%) يعيشون دون كهرباء، بالاضافة إلى بعض الأهداف الأخرى مثل الأهداف السياسية كما هو الحال فى سد النهضة الإثيوبى الذى وحد الجماعات الإثيوبية العرقية المختلفة فى الدين واللغة والعادات بعد أن كان الصراع والقتال هو السمة الغالبة بينهم، وزاد من شعبية الحزب الحاكم فى إثيوبيا وجعل زيناوى زعيماً قومياً، وحقق أيضاً أهداف لبعض القوى الخارجية التى تريد التأثير على مصر.
برأيك هل من حل قانونى لهذه الازمة؟
- الحل القانونى وحده لايكفى، فنحن نعيش فى عصر قانون القوة وليس قوة القانون، فصاحب الحق لو كان ضعيفاً لن يستطيع الحصول على حقه كاملاً وانظروا إلى الشعب الفلسطينى، وصاحب القوة يمكنه أن يحصل على أكثر من حقه على مرأى ومسمع من العالم أجمع. ومصر لها جميع الحقوق بنسبة 1000% فى وقف بناء سد النهضة حتى ينتهى التفاوض والوصول إلى حل يضمن عدم الضرر ذى شأن على كل من مصر والسودان، بناء على الاتفاقيات السابقة بين مصر وإثيوبيا بالإضافة إلى الأعراف والقوانين الدولية على المجارى المائية العابرة للحدود الدولية.
برأيك كيف ترى القوى الدولية أمثال الولايات المتحدة وإسرائيل فى منطقة حوض النيل؟
- القوى الدولية خاصة أمريكا ومعها اسرائيل وراء كل ما يحدث فى منطقة حوض النيل، فأمريكا هى التى أرادت قطع مياه النيل عن مصر فى أعقاب بناء السد العالى وتأميم قناة السويس عن طريق الذهاب إلى إثيوبيا بصفتها المصدر الرئيسى لمياه النيل (أكثر من 85%) لاقامة مشروعات مائية وتخزين المياه فى دول المنابع، ولقد قدم مكتب الاستصلاح الأمريكى خلال الفترة من 1958 حتى 1964 دراسة لإنشاء 33 مشروعا مائيا على النيل الأزرق منها سد النهضة الحالى، ولا ننسى زيارة أوباما لإثيوبيا العام الماضى ومباركته المشروعات ومنها سد النهضة، وأيضا زيارة نتنياهو الشهر الماضى لأربع من دول المنابع (أوغندا وكينيا ورواندا وإثيوبيا) وتعهده بتقديم الدعم الكامل لسد النهضة حتى يتم فى الموعد المحدد 2017.
الصين قوة صاعدة فى العالم، وتحدث البعض عن دور لها فى إفريقيا عامة ودول حوض النيل بشكل خاص، كيف ترى ذلك؟
- الصين قوة عظمى تتواجد بقوة داخل القارة الإفريقية لكنها تعمل فى صمت حتى يتحقق لها ما تريد من سيطرة اقتصادية فى الوقت الحالى وسياسية فى المستقبل، ولها كثير من الشركات التى تعمل فى المجالات المختلفة خاصة فى المشروعات الهندسية (بناء سد تاكيزى على نهر عطبرة 2009، تانا بليس 2010 فى إثيوبيا على روافد نهر النيل)، ويمكن الاستفادة منها كوسيط فى حل بعض القضايا بين الدول الإفريقية خاصة فى حوض النيل وهى لها علاقات طيبة مع معظم الدول الإفريقة وتحظى بقبول أكثر من غيرها من الدول العظمى.
هل لإيران دور أيضاً فى منطقة حوض النيل؟
- إيران تلعب دوراً كبيراً فى حوض النيل خاصة فى منطقة القرن الافريقى (الصومال وجيبوتى واريتريا واثيوبيا) وتأثيرا على باب المندب وقربها من دول الخليج، واستطاعت الحصول على مشروعات تنموية فى هذه الدول وتم تخصيص صندوق إفريقى إيرانى برأس مال 2 مليار دولار للعمل فى هذه المناطق.
برأيك ما الأسلوب الأمثل لحل مشكلة مياه النيل؟
- أولا التعاون بين دول الحوض ليس فقط فى المجال المائى لكن فى كافة المجالات وزيادة النشاط الاقتصادى بينهم وتبادل السلع وإعلاء مبدأ المصالح للجميع والاستفادة من امكانات كل دولة، وفى حالة وجود خلافات حينئذ سوف تحل بالطرق السلمية نظرا للمصالح المشتركة بينهم.
كيف تقرأ السيول الاخيرة والفيضانات فى السودان والحديث عن زيادة منسوب نهر النيل؟
- تعانى السودان دائماً خاصة فى شهر أغسطس من مخاطر السيول وفيضان النيل الأزرق ونهر عطبرة شبه سنوياً، العام الماضى تم تدمير آلاف المنازل نتيجة السيول، وهذا العام ونحن فى منتصف موسم الأمطار تم أيضاً تدمير مئات المنازل وفقد كثير من الأرواح، وجميع أمطار السودان لا تشكل أى مساهمة تذكر فى مياه النيل حيث إن مصادر النيل هى الهضبة الإثيوبية (85%) والهضبة الاستوائية (15%)، لكن حالة الأمطار فى السودان تدل على مثيلاتها فى إثيوبيا، ولذا فالسيول فى السودان توحى بزيادة الأمطار فى إثيوبيا وبالتالى زيادة الايراد السنوى لنهر النيل، والحكم النهائى على هذا الإيراد لا يكون إلا فى نهاية موسم الأمطار (شهر أكتوبر).
هل الخزانات فى مصر كافية لاستيعاب الزيادة المائية؟
- خزان السد العالى قادر على استيعاب ايراد نهر النيل (84 مليار متر مكعب سنويا) فى عامين متتاليين دون استخدام بسعة تخزينية قدرها 162 مليار متر مكعب، ولم يحدث سوى مرة واحدة منذ عمل السد العالى عام 1968 أن فاقت المياه قدرة السد العالى على التخزين وذلك فى الفترة 1998-2000، وتم تصريف جزء من المياه فى منخفضات توشكى وجزء آخر فى البحر المتوسط لحماية جسم السد من مخاطر الفيضان، وخزان السد العالى حالياً قادر على استيعاب أكثر من 70 مليار متر مكعب رغم أن المتوقع وصوله إلى أسوان خلال الشهرين القادمين أقل من 50 مليار متر مكعب بعد حصول السودان على جزء كبير من حصته (18,5 مليار متر مكعب).
هل تتوقع ضربة عسكرية مصرية ضد سد النهضة فى حال التأثير على حصة مصر فعليا؟
- لن يحدث تأثير جسيم على حصة مصر إلا فى السنوات الأولى لتشغيل سد النهضة وحالة التنسيق بين خبراء الدول الثلاث مصر والسودان وإثيوبيا يمكن التغلب على جميع الآثار السلبية لسد النهضة، ومن هنا لن يكون الأمر ملحاً لعمل عسكرى.
كلمة للمسئولين عن ملف المياه فى مصر؟
- أولاً مصر فى حاجة إلى زيادة حصتها المائية (55,5 مليار متر مكعب) الثابتة منذ انشاء السد العالى حتى الآن، رغم تضاعف عدد السكان بنسبة 400%، ومضاعفة استهلاك الفرد الواحد من المياه، وذلك عن طريق إقامة مشروعات مائية فى دولة جنوب السودان، وبالتوازى يجب أن تتطور نمط استهلاكنا للمياه حيث يستغل أكثر من 85% منها فى الزراعة وهى نسبة كبيرة يجب العمل على تخفيضها إلى على الأقل 70% بشرط الحصول على نفس الانتاج الزراعى، واستغلال باقى المياه فى الصناعة التى تدر أضعاف النشاط الزراعى، لا بد من إعادة النظر فى التركيبة المحصولية والتوسع فى استخدام طرق الرى الحديثة وتطبيق مبدأ كفاءة الحدة المائية أى أن المتر المكعب الواحد يمكن أن يعطى كم من الأموال.
لا بد من الوصول مع اثيوبيا لتشكيل لجنة إدراة سد النهضة، ثم عمل اتفاقية شاملة تنظم آلية التعامل مع إثيوبيا فى المشروعات القادمة.
التواصل مع دول المنابع بعلاقات ثنائية لكسب التأييد فى المحافل الدولية.
مراجعة اتفاقية عنتيبى مع دول المنابع للوصول إلى صيغة مقبولة لدى جميع الأطراف.
قوة مصر الداخلة تضمن لها حقوقها الخارجية.