السوق العربية المشتركة | السوق العربية تستمع إلى صرخات وآلام العاملين بخان الخليلى

السوق العربية المشتركة

السبت 16 نوفمبر 2024 - 07:02
رئيس مجلس الإدارة
أمانى الموجى
رئيس التحرير
أشرف أبوطالب

السوق العربية تستمع إلى صرخات وآلام العاملين بخان الخليلى

  محرر السوق العربية فى جولة بخان الخليلى
محرر السوق العربية فى جولة بخان الخليلى

600 عام ومازال الخان شامخا بمعماره الأصيل.. وغياب السياحة تخنق خان الخليلى
البازارات والورش مهددة بإغلاق أبوابها
منتجات طبيعية ويدوية تبحث عمن يشتريها


خان الخليلى ينهار والحكومة غائبة.. عشرات الحرف مهددة بالانقراض، فبعد أن كان يزور «الخان» آلاف الأجانب والعرب والمصريين يوميا انخفض العدد وربما أقل من أصابع اليدين وتأثر الخان بالسياحة، كما تأثرت بها صناعات أخرى، أبواب المحلات والبازارات تفتح فى الصباح الباكر وتغلق أبوابها مساء دون حركة بيع ولا شراء، فحركة السياحة الخارجية تراجعت بسبب تحذيرات السفر إلى مصر أما حركة السياحة الداخلية فتراجعت نتيجة تضخم الأسعار وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين، يضاف لذلك أسباب أخرى منها عزوف الشباب عن تعلم الحرف اليدوية وتفضيلهم الأعمال الأخرى التى تجلب أموالا أكثر، خصوصا العمل فى المقاهى وقيادة «التكاتك» الأمر الذى جعل أصحاب الورش يغلقون أبوابها بسبب انصراف العامل وعدم شراء منتجات تلك الورش لأن المواطن المصرى البسيط يفضل رغيف الخبز والسائح العربى والأجنبى لا وجود له، جريدة «السوق العربية» كالعادة تجولت داخل الورش والبازارات ومحال المصنوعات اليدوية فى خان الخليلى واستمعت إلى صرخات وآلام العاملين والحرفيين، وتأمل السوق العربية أن يصل صوت المنهارين من هذه الأزمة إلى وزارة السياحة ووزارة الآثار ووزارة الاستثمار ووزارة الصناعة لبحث سبل التعاون المشترك من أجل العمل على تنشيط المكان وتوفير الأمان والرعاية الصحية والاجتماعية والتأمينية لأصحاب المهن والحرف اليدوية حتى لا تنقرض الصناعات والحرف اليدوية التى تمثل تراث مصر الحقيقى من أجل النهوض بقاطرة الاقتصاد المصرى إلى الأفضل للخروج من هذا النفق المظلم.


بداية يقول محمد عمر، صاحب بازار للصناعات اليدوية إن الصناعة اليدوية كان يقبل عليها السائح الأجنبى والعربى لكن نظرا لاضطراب حركة السياحة التى أصبحت تحت الصفر نحاول إلغاء المنتجات اليدوية الأساسية ونعمل على المنتجات الشعبية رخيصة الثمن التى تتناسب مع حركة البيع الداخلية للمصريين وقوتهم الشرائية البسيطة التى تخاطب الفئات المتوسطة، وأضاف أن الطبقة المتوسطة تكاد تندثر وتختفى تماما والطبقة الغنية من المصريين تتجه للشراء من «المولات» الكبيرة فى مناطق التجمع وسيتى ستار وغير ذلك، فلا إقبال على الشراء لمصنوعات الحرف اليدوية من البازارات وخان الخليلى والحسين وبالتالى هذا يؤثر على حركة الصناعات للمنتجات اليدوية ويتسبب فى عزف الشباب عن الحرف اليدوية وهو أمر بات فى غاية الخطورة لأن صناعات الحرف اليدوية المتعددة والمتنوعة مرتبطة بالسياحة الخارجية والداخلية ويقبل على شرائها الجميع.

أضاف محمد أن منطقة خان الخليلى والحسين وكل بازارات مصر بعد أن كان يتوافد عليها السائحون من ألمانيا وروسيا واسبانيا وإيطاليا وأوروبا وكل دول العالم أصبح لا وجود لها، فبفضل مجهودات الرئيس السيسى زاد التدفق السياحى ومصر بدأت تتألق، ثم جاء حادث سقوط الطائرة الروسية الذى دمر السياحة من جديد لأن تركيا هى ذراع الشيطان الذى يريد هدم السياحة فى مصر.

وقال محمود السيد عامل يدوى: لدينا 60 منتجا من الصناعات اليدوية الحرفية ولا يوجد إقبال على الشراء من المصريين أو السياح فلا توجد حركة سياحية مستقرة والمصريون منهم 80٪ يتفرجون فقط و20٪ يقبلون على الشراء بعد الفصال فى المنتجات رخيصة الثمن لكن لا يوجد شراء لمنتجات خان الخليلى والشغل الفرعونى والحرف اليدوية الأصيلة وحتى نضمن حدوث إقبال على الصناعات اليدوية يجب على الإعلام والجهات المسئولة توصيل رسالة صادقة لكل العالم أن مصر هى بلد الأمن والأمان والسلام الحقيقى، فكما كنا نوصل للعالم رسالة مضمونها أن مصر بها «مظاهرات كل يوم جمعة» يجب أن نوصل لهم أن مصر بها الأمن والأمان وهذه حقيقة يجب أن يعلمها كل دول العالم ويجب تفعيل جولات سياحية فى خان الخليلى وشارع المعز وكل معالم مصر السياحية وعرض كل منتجاتنا من الحرف اليدوية لتشغيل الورش من جديد بعد أن أغلقت أبوابها ويجب توجيه رسالة لكل العالم من على أرض الواقع وعلينا جميعا أن نشجع البلد ليس فقط بالكلام والتصفيق والتهليل بل بالتكاتف والعمل الجاد من أجل النهوض والتقدم باقتصاد مصر لأنه منذ ثورة 25 يناير حتى الآن لا يوجد إقبال على الحرف اليدوية وعن تعليم الحرف اليدوية، وقال محمود أن معظم الورش أغلقت أبوابها بسبب عزوف الشباب عن تعلم الحرف اليدوية ومنها النحاس والصدف والأرابيسك والفضيات والخزف وأتمنى عودة الشباب لتعلم الحرف والصناعة اليدوية من أجل أن تدور عجلة الإنتاج والترويج والتصدير بدون هامش ربح لا يوجد إنتاج ومن أجل النهوض والتقدم فى جميع المجالات لا بد من العمل الجماعى والمشاركة الفعالة وبالنسبة للشباب الذى يجلس على المقاهى وينتظر الوظيفة أقول له عليك النزول إلى ميدان العمل وتعلم حرفة من أجل تحقيق أهدافك.

وقال جمال طه، عامل يدوى: إن منتجات الحرف اليدوية عند المصريين أصبحت رفاهية ولا يوجد إقبال سياحى نظرا لعدم وجود سياحة خارجية أيضا لا توجد سياحة داخلية من الأقاليم والمحافظات، وأعتقد أن السبب الحقيقى وراء ذلك هو انعدام الفائض الاقتصادى لأن المصرى يريد الأكل والشرب ولا يريد المنتجات التى تعد كماليات وبالتالى السوق متوقف خصوصا مع انصراف الشباب من السوق والتوجه إلى العمل سائقى ميكروباص وتوك توك، فالعائد من قيادة السيارة والتوك توك أعلى من عائد الحرف اليدوية وأسهل للشباب.

ويرى الحاج ماهر فهمى، صاحب بازار للحرف اليدوية، أن الإقبال على الصناعات اليدوية ضئيل من جانب المصريين بينما حركة السياحة تكاد تكون منعدمة تماما وبالنسبة للشباب فإنهم ينصرفون تماما عن تعلم المهنة والحرفة اليدوية بكل أنواعها ويتذكر فهمى الماضى قائلا كنا نجد الأهالى يأتون بأولادهم فى الإجازات المدرسية لكى يتعلموا الحرفة فى الورش ويعملوا فيها لكن الآن لا يوجد هذا الاهتمام من الأهالى ولا من الشباب، ويؤكد أن الصناعات اليدوية تنقرض وهذا شىء صعب على مصر لأن هذه الصناعات تعد من معالم مصر والتى تميز المجتمع أيضا نجد الشباب الذى تعلم المهن والحرف اليدوية منذ سنوات ويعمل بها يترك هذه المهنة تماما وينصرف عنها ويعمل على عربات «الميكروباص» من أجل أن يحصل على دخل يومى أكثر ويضيف «أقول للشباب حافظوا على تراث الأجداد حتى لا ينقرض».

ويقول مجدى فهمى الذى يعمل فى صناعة «العكاكيز» وعصى التحطيب أن هذه الصناعة على وشك الزوال والانقراض نظرا لانصراف الشباب عن مزاولة المهنة للبحث عن عمل آخر يجلب إليه المال بوفرة من أجل المعيشة والآن نجد الشباب يفضل الجلوس فى المكاتب فقط ولا يريد مزاولة الحرف اليدوية وهى تراث الأجداد، لذا على الشباب أن يمارس الحرف والصناعة اليدوية مثلنا ومثل آبائنا وأجدادنا وعليهم أن يورثوها لأبنائهم حتى لا تغلق ورش هذا التراث العظيم، وعن حركة الإقبال قال مجدى: لا يوجد إقبال للشراء من المصريين على الصناعات اليدوية ولا يوجد تدفق سياحى والسوق حاليا يعتمد على الرحلات الداخلية من المصريين ومعظمها للترفيه وليس للشراء فلا يوجد من يشترى نظرا لتدنى الحالة الاقتصادية وللأسف الشديد منتجات الصناعات اليدوية موجودة بوفرة والمشترى المصرى والأجنبى خارج نطاق الخدمة.

ويقول هانى فهيم شنودة «صاحب بازار للصناعات اليدوية» لا يوجد إقبال على شراء المنتجات اليدوية ولا توجد سياحة مثل الماضى عند المصريين، وإذا حاولنا الوصول للناس بمنتجات الحرف اليدوية نجد أن تكلفة المشاركة فى عرض المنتجات بأرض المعارض مرتفعة جدا وفى ذات اليوم يعتقد المواطنون حال ذهابهم إلى المعارض أن الأفضل لهم الشراء من الحسين وخان الخليلى والأزهر ويؤكد هانى أنه حزين لأن الحرف اليدوية انقرضت نظرا لانصراف الشباب «الصنايعية» من الورش لكن من يعمل الآن هم شيوخ المهنة والشباب كان يعمل فى الماضى حبا فى المهنة والآن لم يعد يوجد هذا الحب خاصة أنها أصبحت غير مربحة له مثل ذى قبل، وبالتالى يتجه الشباب إلى أعمال أخرى بحثا عن دخل مادى أكبر وأفضل وعندما تستقر حركة السياحة ويعود السوق إلى حالة الازدهار سيعود من تركوا المهنة إليها مرة أخرى، وأكد هانى أن حركة السياحة فى عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك كانت نشطة جدا ليلا ونهارا لكن الآن نجد السائح ينزل المنطقة ويخرج كما هو ولا يشترى شيئا لأن أفقر السائحين هم الذين ينزلون مصر الآن وللأسف يمثلون عبئا على مصر فى تأمينات رحلاتهم وإقامتهم ولا نستفيد منهم شيئا.

ويقول محمد جمال، صاحب بازار وورشة لمنتجات الفضيات: إن حركة الإقبال ضعيفة جدا منذ خمس سنوات بخلاف أن صاحب العقار يريد هدم المحل المنشأ منذ قرون وعليه علم الهلال والصليب، وأكد محمد أن الحرف والصناعات اليدوية بدأت فى الانقراض وأصبح المنتج البديل هو الشغل الصينى فى كل الصناعات، وأضاف أن انصراف الشباب وعزوفهم عن تعلم الحرف اليدوية يدفع أصحاب الورش إلى إغلاقها وبالتالى انقراض المهنة، وقال إن منطقة الأزهر والحسين وخان الخليلى وشارع المعز أصبحت مليئة بالشحاتين بدلا من السائحين، بالإضافة إلى وجود التلوث البيئى والسمعى والأخلاقى، فكيف يسمح هذا الجو بجذب السائحين، وأشاد أيضا بما تبذله الدولة من جهود كبيرة فى الحفاظ على الأمن والأمان بالمنطقة وأيضا أعمال الصيانة والترميم، ويطالب محمد وزارة الآثار بالاهتمام بشارع المعز وإبعاد الشحاتين من المنطقة لأنه عندما يواجههم العاملون بالمنطقة ويحاولون إبعادهم يكسرون عليهم زجاج المحلات والبازارات.

وقال أحمد يحيى، وهو يعمل فى بازار للحرف اليدوية: لا توجد حركة للسياحة نهائيا من أجل شراء الصناعات اليدوية وبالنسبة للمصريين فإن تواجدهم قليل جدا إذ يتفرجون فقط دون شراء أى منتج من الحرف اليدوية، وأضاف أن انهيار السياحة هو السبب بسبب الحوادث الإجرامية والإرهابية التى وقعت خلال الفترة الماضية، خان الخليلى واحد من أعرق أسواق الشرق الأوسط يزيد عمره على 600 عام لا يزال معماره الأصيل باقيا على حاله منذ عصر المماليك ولا تزال توجد به جالية من أهل مدينة الخليل الفلسطينية تسكن به ويعمل عدد كبير من هذه الجالية بالتجارة وإليهم ينسب الخان وقد سمى بهذا الاسم نسبة لمؤسسه وهو أحد الأمراء المماليك وكان يدعى «جركس الخليلى» ابن مدينة الخليل ولو عدنا بالزمان إلى الوراء كثيرا، فسوف يطالعنا التاريخ العربى قائلا إن الخان مبنى مربع كبير يحيط بفناء ويشبه الوكالة وتشمل الطبقة السفلى منه «الحوانيت» أو الدكاكين وتضم الطبقات العليا المخازن والمساكن وقد سمى «المقريزى» الخان باسم خان الخليلى عام 1400 ميلادية نسبة إلى منشئه الشريف «الخليلى» الذى كان كبير التجار، وإذا كان المثل الشعبى يقول «الرجل تدب مكان ما تحب» فإن أول دبة على أرض الخان لا بد أن تكون فى مقهى الفيشاوى الذى يزيد عمره على 200 عام وكان من أشهر رواده الكاتب الكبير نجيب محفوظ فى فترة الستينيات من القرن العشرين وتسبح فى فضاء المكان روائح جميلة تصل إلى السائح الذى يعبر الزقاق فى اتجاه شارع الموسكى حيث تكثر تجارة العطور العربية والآسيوية والأوروبية هنا عطر الملك والعنبر والياسمين والفل مئات وربما آلاف الزجاجات ذات أشكال وألوان غريبة تحوى عطورا غير مألوفة تتراوح بين الزيتى فى لون البترول الخام والأصفر الذهبى والبنفسجى الممزوج بالعنبر.

ونسأل الحاج بيومى فهمى، وهو تاجر، يتحدى الزمن بابتسامة عن «الأسانس» الذى يتم تصنيع هذه العطور منه، فقال إن ما أراه من عطور هنا يكاد يكون هو التركيبة الفعلية للعطر دون إضافة كحول إليه، هذه زجاجة تحوى عطرا زيتى الملمس فاقعا، وقال إن هذا العطر يتم استخلاصه من نوع معين من ذكور الغزال يسمى «وعل المسك»، أما هذا الذى يخلط لونه البنفسجى بعتامة تتألق تحت الضوء فهو خلاصة البنفسج، أما زيت العنبر فيفرزه نوع واحد من الحيتان يسمى حيتان العنبر، والحوت لا يفرز هذا العنبر إلا وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة أو يعانى سكرات الموت، أما البخور فله مملكة خاصة فى الخان ويعتقد الناس أن دخل المستكة يمنع العين والحسد أما الكسبرة فهى زعيمة مملكة البخور ويطلق عليها الناس اسم «الفك والفكوك» أى أن من يشمها تذهب عنه العقد بلا رجعة.

يشمل الخان على الحرف التقليدية والتراثية ومئات العمال والحرفيين الذى يمتهنون الحرف والصناعات اليدوية مثل السجاد والسبح والكريستال وصناعة البردى وصناعة الحلى الذهبية والفضية والتمائم الفرعونية.

ويشتهر بيع المشغولات الذهبية والفضية والنحاسية والقطع الأثرية الفرعونية المقلدة بإتقان والأشغال الفنية اليدوية والأحجار المختلفة والإكسسوارات والمصنوعات الجلدية والأعشاب الطبيعية والبخور والأباجورات والزجاج البلدى والنرجيلة "الشيشة العربى" التى أصبحت من أشهر منتجات خان الخليلى ويوجد بالخان مكان مخصص للمصنوعات الجلدية والنحاسية والإكسسوارات التاريخية كالسيوف والخوذات النحاسية والأحزمة وتتراوح أسعار هذه المنتجات حسب أحجامها وتبدأ من 30 جنيها وتصل حتى آلاف الجنيهات، ويباع البخور المستورد من السودان وبخور العود الذى يتم استيرادها من السعودية وبخور الكسبرة.

أوراق البردى تحمل رسوما وكلمات هيروغليفية وتمائم وأيقونات وقصائد غزلية ونقوشات تروى حكاية إيزيس وأوزوريس، وترى المسابح بمختلف أنواعها منها المصنوع ببذر الزيتون والبلاستيك تسمى نور الصباح والمصنوع من الفيروز والمرجان والكهرمان.