إبداء الدفع الشكلي وإغفال الدفاع الموضوعي في قضية الجزيرتين
من المبادئ الأساسية المعروفة والمستقرة في أعمال الدفاع في مختلف القضايا مبدأ إبداء الدفع أو الدفوع الشكلية أولا يليها الدفاع الموضوعي كدفاع احتياطي تحسباً لرفض المحكمة للدفع أو الدفوع الشكلية .وهذا المبدأ معلوم بالضرورة لكل من يمارس أعمال الدفاع في مختلف القضايا مهما قلت مدة خبرته .
وتكمن أهمية هذا المبدأ في انه في حالة إبداء الدفع أو الدفوع الشكلية فقط من المدعي عليه ورفض المحكمة لها فإنها ستتصدي لنظر الموضوع وتفصل في الدعوي في ضوء ما قدم لها من مستندات من المدعي وتحكم لصالحه . وهذا هو ما حدث في الحكم الصادر بتاريخ 21/6/2016م من الدائرة الأولي بمحكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة في الدعوي رقم 43709 لسنة 70 ق، وهي الدعوي المعروفة بقضية تيران وصنافير المرفوعة من خالد علي عمر والخصوم المتدخلون إنضماميا ً ضد رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس النواب بصفاتهم بطلب قبول الدعوي شكلاً وبوقف تنفيذ وإلغاء القرار المطعون فيه بإبرام وتوقيع المطعون ضدهم الأول والثاني ( رئيس الجمهورية رئيس مجلس الوزراء ) اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية وبالتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير مع ما يترتب علي ذلك من آثار أهمها عدم أحقية المطعون ضده الثالث ( رئيس مجلس النواب ) في مناقشة الاتفاقية .
وقد أودعت هيئة قضايا الدولة الحاضرة عن المدعي عليهم مذكرة دفاع تتضمن الدفع بعدم اختصاص المحكمة والقضاء عموما ولائياً بنظر الدعوي واحتياطيا ً. بعدم قبول الدعوي لانتفاء القرار الإداري
وقد قدم المدعيين إلي المحكمة الوثائق والمستندات التي استدل بها علي إن جزيرتي تيران وصنافير من الجزر المصرية وجزء من إقليم الدولة المصرية ، بينما غيبت جهة الإدارة المدعي عليها نفسها عن الدفاع الموضوعي عن الاتفاق الذي وقعت عليه واعتصمت بالصمت في هذا المجال وتمترٌست خلف الدفاع ( الشكلي ) الذي أبدته لمنع المحكمة من سماع الدعوي ( هذا ما ورد بأسباب الحكم ) .
والثابت من محاضر جلسات تحضير الدعوي إن هيئة مفوضي الدولة بالمحكمة كلفت جهة الإدارة بتقديم المستندات التي كلفتها بها المحكمة بجلسة 17/6/2016 وأجلت الدعوي لأكثر من جلسة واعذرت جهة الإدارة بالغرامة لعدم تقديم المستندات المطلوبة كما وقعت عليها الغرامة ، كما اعذرت جهة الإدارة بأنها ستبدي رأيها في ضوء امتناع جهة الإدارة عن تقديم المستندات ( وهذا ما ورد في عرض الحكم لوقائع الدعوي) .
وقد قضت المحكمة برفض الدفع بعدم اختصاصها ولائياً بنظر الدعويين وباختصاصها بنظرهما وبقبولهما شكلاً وببطلان توقيع ممثل الحكومة المصرية علي اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين جمهورية مصر العربية والمملكة العربية الموقعة في ابريل عام 2016 المتضمنة التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للمملكة العربية السعودية مع ما يترتب علي ذلك من آثار اخصها استمرار هاتين الجزيرتين ضمن الإقليم البري المصري وضمن حدود الدولة لمصرية واستمرار السيادة المصرية عليهما وحظر تغيير وصفهما بأي شكل لصالح أي دولة أخري وذلك علي النحو المبين بالأسباب وألزمت جهة الإدارة بالمصاريف .
وقد طعنت هيئة قضايا الدولة علي الحكم إمام المحكمة الإدارية العليا .
وبصرف النظر عن آثار هذا الحكم وعما وقع فيه من هانات عديدة وبصرف النظر عما ستنتهي إليه المحكمة الإدارية العليا ، فان الذي يهمنا هنا هو الإهمال المهني الجسيم الذي ارتكبته هيئة قضايا الدولة الحاضرة عن الدولة باقتصارها علي إبداء الدفع الشكلي المتعلق بعدم الاختصاص وعدم تقديم دفاع موضوعي مدعم بالمستندات وهو إهمال يوجب مساءلة من ارتكبه .