السوق العربية تحاول الاجابة عن السؤال الصعب:من المسئول عن تسريب امتحانات الثانوية العامة؟
خبراء التعليم والقانون يضعون روشتة للقضاء على الظاهرة.. الدكتور فؤاد حلمى: لا بد من إعادة النظر فى نظام التقييم الحالى
وسط حالة من تبادل الاتهامات وطرح الاسئلة بين الدوائر الحكومية المهتمة بالتعليم والمتمثلة فى وزارة التربية والتعليم ولجنة التعليم بمجلس النواب ومجلس الوزاراء حول من المسئول عن ظاهرة تسريب امتحانات الثانوية العامة هذا العام حيث تم تسريب اسئلة الامتحانات الاجابات النموذجية ايضا من خلال وسائل الاتصال الحديثة فى ظاهرة جديدة على المجتمع المصرى وهو ما دفع (السوق العربية) لفتح ملف تسريب امتحان الثانوية العامة فى محاولة للاجابة عن تساؤلات عديدة عن اسباب الظاهرة وكيفية علاجها من وجهة نظر خبراء التعليم وهل تسريب الامتحانات يعد جريمة فى القانون ام ماذا؟ كل هذه الاسئلة سنجيب عنها من خلال التحقيق التالى.
فى البداية يرى الدكتور فؤاد احمد حلمى استاذ التخطيط والتطوير المؤسسى بالمركز القومى للبحوث التربوية والتنمية ان ظاهرة تسريب الثانوية العامة هذا العام ليست جديدة فالغش موجود منذ اكثر من 40 سنة لكن الامر يحتاج إلى حل جذرى للقضاء عليها ويتمثل الحل فى تغير النظام التعليمى بشكله الحالى بحيث لا يقوم على امتحان الفرصة الواحدة للطالب بل يقوم على نظام التقيم حيث يتم تقويم الطالب من الصف الاول الثانوى إلى الصف الثالث الثانوى من خلال تقويم شامل للطالب من جميع النواحى العلمية والسلوكية والمهارية حتى يتعلم الطالب كيف يكون مواطنا قبل ان يتعلم كيف ينجح ويحصل على اعلى الدرجات.
وعن سبب المشكلة يقول الدكتور فؤاد حلمى ان نظام القبول فى الجامعات والاختناق الموجود فيما يسمى كليات القمة «الطب والصيدلة والهندسة» نظام الامتحانات هو الدافع الاساسى لتسريب الامتحانات، إنّ التنمية الحقيقية لا يُمكن حدوثها فى أى مجتمع من المجتمعات إلا من خلال منظومة تعليمية قادرة على خلق وتكوين كوادر بشرية متمكنة، وقادرة على الوفاء باحتياجات التنمية الحقيقية من إبداعات وابتكارات بعيدة عن النمطية والتفكير التقليدى الذى يعد رد فعل طبيعيا لشيخوخة النظام التعليمى الذى اصبح غير قادر على مواكبة ما طرأ على وسائل الاتصال من تطورات متسارعة أدت إلى نقل الحدث بسرعة من خلال شبكات التواصل الاجتماعى.
اما الدكتور جمال فخر الدين استاذ تطوير المناهج بالمركز القومى لبحوث وتطوير التعليم فيقول أذا اردنا القضاء على ظاهرة تسريب امتحانات الثانوية العامة فلابد من حتمية تطوير وتحديث مرحلة الثانوية العامة حتى تتمشى مع الثقافة الاجتماعية، وملاحقة التطور الفكرى التربوى والمعرفى، وهو ما يتطلب تغيير منظومة الامتحانات الحالية واستبدالها بمنظومة أكثر فعالية تعمل على تحقيق الأهداف التعليمية المنشودة.
ويرى الدكتور جمال لتفعيل ذلك ان يتم الاخذ بنظام الامتحان المفتوح باعتباره من النظم المتقدمة التى تقيس قدرات الطلاب وفقا لفعاليتهم وفهمهم لموضوعات المنهج، من خلال إعداد خرائط ذهنية واضحة لها مدخلات وعمليات ونتائج.
وبنظرة بسيط للواقع نجد ان عملية التقويم تأتى بأسلوب آلى تقليدى، لقياس قدرة تحصيل الطلبة المعتمد أساسا على الحفظ واستظهار المعلومات المتضمنة بالمقررات الدراسية المختلفة، ويتضح ذلك بجلاء فى المرحلة الثانوية بصفة عامة دون الاهتمام بجوانب التعلم الأخرى، وأدى ذلك إلى اعتماد الطلاب على الدروس الخصوصية والمراكز التعليمية الموازية التى يديرها غير المتخصصين من الأفراد، والتى انتشرت بصورة كبيرة فى المجتمع بهدف التربح بعيداً عن متابعة وإشراف وزارة التربية والتعليم دون معالجة أو محاسبة حقيقية، ما ترتب عليه فقد فى النفقات المالية التى تنفقها الدولة على التعليم ما قبل الجامعى،
وبما أننا نعيش اليوم عصر ما بعد العولمة، وفى ظل إعداد البحوث وتوافر المعارف والمعلومات بواسطة الوسائل التكنولوجية مثل شبكة التواصل والإنترنت وسهولة تناول الأوراق البحثية، كان من الضرورى البحث عن الأساليب غير النمطية فى إجراءات وطرق وأساليب الامتحانات ونظام التقويم بما يساير ويتناسب وطبيعة هذه المرحلة.
ويعتبر الامتحان المفتوح Open Book Exam من أفضل الأساليب التى تعد مدخلاً علميا للتغلب على المشكلات التى تواجه التعليم قبل الجامعى الذى فى ضوئه يمكن تطوير المناهج والأنشطة وطرق التدريس والوسائل والأساليب تطويراً جذرياً. فهذ النظام يسهم فى مساعدة الطالب للحصول على المعلومات المطلوبة ذاتياً من خلال الاستعانة بالكتاب المقرر أو المراجع والمصادر أو أى مواد تعليمية أخرى مطبوعة فى أثناء تأدية الاختبار، ويشترط أن تكون مفرداته من النوع غير المباشر، ويقيس هذا الاختبار قدرة الطلبة على الاستفادة من المعلومات المتوافرة بين أيديهم وتطبيقاتها والخروج باستنتاجات معينة. وسرعة الوصول إلى المعلومة فى المراجع عند الحاجة لاستخدامها. فى ضوء الإرشادات العامة للاجابة عن هذا النوع من الامتحانات، بغرض الوقوف على مدى استيعاب الطلبة للمعلومات والمهارات الواردة بالمنهج، ومدى قدرتهم على البحث عن المعلومة وإعادة صياغتها بدقة وفهم فى ضوء الزمن المحدد لذلك ويمكن أن يتحقق ذلك من خلال تدريب المعلمين على هذا النوع من الاختبارات والارتقاء بمستوياتهم المهنية والثقافية من خلال إلحاقهم بالعديد من الدورات والبرامج التدريبية بالإضافة إلى تدريب الطلاب على الامتحان المفتوح من خلال ممارستهم للأنشطة التعليمية والتقييمية التى يخططها المعلمون.
وعن التحديات التى تواجه التعليم الثانوى يؤكد الدكتور فخر الدين انها تشمل كيفية التغلب على عدم احتفاظ المدرسة بالطالب، وإعادة النظر فى نظام التقويم ككل بحيث يرتبط بالمنهج، وألا يقيس التقويم ما يعرفه الطالب فقط، بل يقيس ما لا يعرفه الطالب حتى يتم الوقوف على الأداء الحقيقى والعلاج داخل المدرسة، وألا تقتصر عمليات التطوير على تعديل الورقة الامتحانية فحسب كما يتم حالياً، بل يتم إعادة النظر فى نظام التقويم ككل.
ومن ثم إعادة النظر بأسلوب شمولى فى عناصر منظومة تقويم مرحلة التعليم قبل الجامعى، والعمل على تطويرها انطلاقاً من مفهوم الامتحان المفتوح.
ثم يسرد الدكتور جمال مميزات نظام
الامتحان المفتوح فيقول انها تشمل الطالب والمعلم والمدرسة والأسرة والمجتمع، ويمكن تلخيص هذه المزايا فى النقاط التالية:
- بالنسبة للطالب:
1- تحرير الطالب من سلبية التلقى فى العملية التعليمية دون مناقشة أو تبادل الآراء.
2- تقليص عمليات الحفظ والاستظهار فى المناهج وطرق التدريس بقدر الإمكان.
3- ممارسة تطبيق خطوات المنهج العلمى فى التفكير وبحث حل المشكلات.
4- تعدد الاستجابات الصحيحة عن السؤال الواحد بتعدد الطلاب أو مجموعات العمل مع وجود أكثر من حل مناسب للمشكلة الواحدة.
5- بث روح الثقة فى نفوس الطلاب وتنمية قدراتهم على الاستقلال فى التفكير وتداول المعلومات.
6- تقليل ظاهرة الغش الفردى والجماعى.
7- الحد من ظاهرة التسرب من التعليم بسبب الرهبة من الامتحانات.
و بالنسبة للمعلم:
1- عودة الاحترام للمعلم وتقدير الطلاب والمجتمع له.
2- تمهيد الطرق أمام الطلاب للابتكار والتجديد.
3- إتاحة الفرص أمام المعلم من تصميم أسئلة تعتمد على المقررات الدراسية للأعوام السابقة دون الاقتصار على الكتاب المقرر للسنة الدراسية فقط.
وبالنسبة للمدرسة:
1- استعادة الدور المفقود للمدرسة فى التربية قبل التعليم.
2- الاعتماد على الكتاب المدرسى المقرر مقابل تقليص التسابق عل اقتناء الكتب والملخصات الخارجية دون الدخول فى معارك جانبية مع المؤلفين والناشرين.
و بالنسبة للأسرة والمجتمع:
1- القضاء التدريجى على ظاهرة الدروس الخصوصية.
2- محاربة ظاهرة الغش الفردى والجماعى حتى لا تتأصل فى السلوكيات العامة.
3- توفير المبالغ المالية المستقطعة من ميزانيات الأسرة المصرية التى تزيد على نصف الدخل الشهرى.
4- تقليص أدوار مراكز التقوية الخاصة دون الدخول فى معارك جانبية مع المستفيدين منها.
اما الدكتورة هدى مدنى مدير التخطيط الاستراتيجى بادارة شمال الجيزة التعليمية فترى ان المشكلة الاساسية فى تسريب الامتحانات مشكلة اخلاقية فموضوع الغش امر واقع واساسى بسبب ترحيب الاسرة بالظاهرة لان كل ما يهم الاسرة هو ان الطالب يحصل على اعلى الدرجات بدون النظر إلى الطريقة التى يتم بها ذلك ولذا يجب ان يكون هناك توعية للنشء فى المدارس من خلال وسائل الاعلام ان يكون النجاح بالمجهود وان يتحكم الطالب والاسرة وكل العاملين فى العملية التعليمية للضمير والاخلاق، وطالبت مدنى بتغير نظام التنسيق بحيث لا يرتبط التخصص بالمجموع انما يخضع للقدرات الفردية ورغبات الطلاب وميولهم فى دراسة مجالات التى يستطيع النجاح بها فى الحياة وهو ما يحتاج إلى اعادة صياغة المنظومة التعليمية.
اما الدكتور اسامة عبدالنبى استاذ اللغة العربية فيقول: ان الثانوية العامة بشكلها الحالى تحتاج إلى عدد من الاليات للقضاء على ظاهرة الغش تتمثل فى تغيير المناهج الحالية وتغيير نظام الامتحانات بحيث يكون الامتحان على مستوى القطاعات التعليمية وليس على مستوى الجمهورية يراعى فيها ارتباط بعض المواد بالبيئة ويكون هناك اكثر من نموذج للامتحانات يراعى فيه القدرات العقلية للطالب والفروق الفردية ولا يغفل فيه جانب المهارات وهو نظام معمول به فى انجلترا بجانب ان يكون التنسيق اقليميا مع ارتباط كل جامعة بالبيئة المحيطة بها واحتياجات سوق العمل.
ويؤكد اسامة ان التسريب ليس اول مرة ولكن الجديد هذا العام انه يتم قبل انعقاد الامتحان بوقت كافٍ ويرجع ذلك الى ثبات اشخاص فى مناصبهم دخل الوزارة لفترات طويلة التسريبات مرتبطة باشخاص ولذا يجب تغيير المسئولين عن الامتحانات بشكل دورى وتجديد الدماء فى الكنترول على مستوى الوزارة والقطاعات على حدا سواء.
اما طارق حسن مدير ادارة بالتربية والتعليم فيقول ان النظام المعمول به حاليا تقليدى ويجب على الوزارة الاخذ بنظم اكثر تقدما منها على سبيل المثال طريقة محاكاة الحاسب الآلى والإجابة عن الأسئلة كما فى اختيار ICDL لكن اذا أصرت الوزارة على الأسلوب المتبع حاليا فلا مانع من استخدام جهاز التشويش فى محيط كل لجنة وهو ليس بباهظ الثمن فيجعل الموبايل بلا فائدة ولا يستطيع الطالب الغش وهو ما يجعلنا لا نحتاج لتفتيش الطلاب.
وحتى يستطيع رئيس اللجنة التواصل مع المسئولين حل وجود مشكلة فمن الممكن استخدام جهاز اللاسلكى للتواصل مع أى مسئول ويجب وضع كود او بار كود لكل ورقة امتحان من خلال برنامج يكشف عن بيانات الطالب ورقم اللجنة حتى لو تم استخدام كاميرات مراقبة دخل اللجان.
وعن عقوبة تسريب الامتحانات فى القانون الحالى يقول الدكتور محمد المغازى استاذ القانون الدستورى ورئيس قسم القانون العام بجامعة الازهر انه لا توجد عقوبة محددة بنصوص صريحة فى هذه القضية وهو ما يجعلنا نقول ان الموضوع يحتاج إلى ضبط تشريعى من قبل مجلس النواب بحيث يتم سن قوانين جديدة تكون العقوبة فيها لكل من يقوم بتسريب الامتحانات السجن المؤبد لانه يساهم فى قتل جيل كامل.
ولكن لا بد من القول هنا ان ظاهرة تسريب امتحانات الثانوية العامة تعد ظاهرة اجتماعية يجب ان نقف على اسبابها ودوافعها فلو نظرنا إلى الاسباب نجد ان وجود خلال فى قوانين التعليم التى لم تعد تتفق مع مجريات التكنولوجيا المعاصرة واساليب التعليم الحديث وبالتالى الاخذ بالاساليب الحديثة والاعتماد عليها من شانة تقليص الظاهرة والقضاء عليها، وهنا لا بد ان نطالب مجلس النواب ونقترح عليها امرين وهما:
الأول: الغاء قوانين التعليم التقليدية وجمعها فى قانون واحد يشمل كل مراحل التعليم بنوعيه العام والخاص بحيث يكون التعليم مسئولية الدولة فقط.
اما الاقتراح الثانى فعلى مجلس النواب ان يشرع قانونا خاصا يحدد مجموعة الجرائم المرتبطة بالعملية التعليمية على ان تتضمن عقوبات التسرب من التعليم والتخلف عن الانضباط فى الحضور اثناء اليوم الدراسى وعملية تسريب الامتحانات والغش اثناء الامتحانات حتى نستطيع القضاء على الظواهر التى تدمر العملية التعليمية بالكلية.