السوق العربية المشتركة | فى شوق لتكبيرات مآذن دمشق وفوانيس عدن

السوق العربية المشتركة

الثلاثاء 12 أغسطس 2025 - 00:41
رئيس مجلس الإدارة
أمانى الموجى
نائب رئيس مجلس الإدارة
م. حاتم الجوهري
فى شوق لتكبيرات مآذن دمشق وفوانيس عدن

فى شوق لتكبيرات مآذن دمشق وفوانيس عدن

 



ربما لا أبالغ إذا قلت أن رمضان هذا العالم هو الأصعب على العرب، على الأقل الشعوب، فلا فوانيس عدن تضىء، ولا مآذن دمشق تكبر، ومتاجر بغداد أغلقت، والقدس كما نعرفها منذ أكثر من نصف قرن لا تزال أسيرة الاحتلال الإسرائيلى الغاشم.. هذا عن حالنا العربى الذى لا يسر عدوا أو حبيبا، فهو حال مائل ندعو الله أن يعدله ويضبط كفته لمصلحتنا نحن العرب مرة أخرى، ولعل رمضان هذا يكون بداية لشعوبنا وحكوماتنا لكى تنهض وتنفض الكسل والتراب عن كاهلها وتتحد الشعوب والحكومات العربية لتعيد لنا القدس دمشق وبغداد وصنعاء وطرابلس ليبيا، فقد أصبحنا نعيش فى زيف، وضيعنا مقولات عربية خالدة مثل: "بلح الشام وعنب اليمن"، فلم يعد هناك شاما لنأكل بلحه، ولا يمنا نستطيب بطعم عنبه.

فيا أيها الوجع والألم ارحل، لقد تاه أطفالنا فى مسار الحياة، فى عالم يتقاتل على أرضنا، ونال منها ما فوقها وما تحتها، يا أيها الوجع والألم ارحل بعيدا عنا، وكفاك ما استوليت عليه منا، اترك لنا تراب الأرض وما فوقها.. إننا مشردون فى تيه الحياة بلا أمل.. هذا ما يقوله أطفال العالم العربى حاليا، أطفال ما عادوا يعيشون فى أراضيهم التى ولدوا عليها، بل بعضهم يولد الآن فى عالم الغربة، عالم خيام الإيواء تحت المطر وتحت الشمس بلا جدر أو جدران، عالم بلا مأوى، فأطفال عالمنا العربى ما عادوا يعيشون طفولتهم ويشعرون بها، وكل ما قرأوه عن تاريخهم وأمجادهم القديمة زائف فى نظرهم، والحقيقة الماثلة أمامهم أن بلاد العرب، التى كانت أوطانهم لم تعد اوطانهم، صاروا يشعرون أن أراضيهم ابتعدت عنهم ولم تعد ملكهم فى هذا الزمان الذى نعيشه الآن أو زمانهم القادم، فأراضيهم قد احتلت، ليس من مستعمر أجنبى كما كان فى سابق الأوان، ولكن احتلها بنى وطنهم، ما بين مدعى الإسلام أو الوطنية الجديدة، فأصبحت أوطانهم مجزأة ما بين بقعة لداعش، وأخرى لهذا الفصيل، وأخرى لذاك المعارض الذى لا نعلم من أين جاء، وما هى كنيته أو تاريخه.

أصبح الوطن العربى مستباحا اليوم فى أعين الأطفال، فلا حرية ولا أرض ولا علوم ولا مدارس، لم تعد للأطفال ألعاب يلهون بها، حتى جاءهم رمضان بلا تكبير أو أذان، فمر هلاله سريعا بلا احتفالات صاخبة اعتادوها صغارا أو عندما كانوا صغارا، فأطفال اليوم شابوا قبل الأوان، ما عاد لرؤية هلال رمضان فرحة لديهم، وسؤالهم: "أين الهلال؟ وبأى أرض أو زمان؟". فلم تعد هناك فوانيس تبهجهم ولا مصابيح تنير له دروبهم، ولا دكاكين يشترون منها حلوياتهم. وإذا تحدثنا عن دمشق وسوق الحميدية، فقد اختفى جماله وزال بريقه ولم يعد يسعد ناظريه، فكل ما تبقى فى دمشق وسوريا أشلاء جثث وعظام ودمار، ولم تعد هناك حوانيت يتحاكون فى جمال وروعة معروضاتها ومنتجاتها.

حالنا هذا ليس عربيا فقط، وإن كان بداخلنا أقل وطأة، فرمضان فى زماننا الذى مضى كنا نفخر فيه بالأوانى الجديدة التى نستقبل الشهر الكريم بها، فرحة بقدوم الشهر وكنا نتباهى بنوعية الأوانى ونغيرها كل أسبوع بأنواع أخرى جديدة، فقد تناسينا هذا الاحتفال رغم بساطته، وتناسينا أيضا مشاهد أخرى ارتبطت فى أذهاننا بالشهر الفضيل.

لقد اختلف حالنا وتبدل، كنا نتباهى بالجلسة الواحدة، جميع أفراد الأسرة، سفرة واحدة، كانت العادات تقربنا وتسعدنا، حتى هذه العادات تغيرت، كنا نفرح بقدوم الشهر الفضيل، برؤية الهلال واحتفاله الخاص الذى لن ننساه ما حيينا، وفى عالمنا الحالى، نرى كثيرا من العائلات لا تأكل طعاما من صنع الزوجات والبنات، فكان "الديليفرى" بالأمر المباشر من المطاعم والفنادق، طعام يزيد عن حاجتنا، طعام بلا طعم فلا تذوق فيه، ولكن ثمة ميزة فى هذا وهى كثرة الجمعيات الخيرية التى تجمع بقايا هذه الولائم وتعيد توزيعها على الفقراء والمساكين.

وبمناسبة رمضان، فقد رأيت فى مصر انتشار ما يسمونه هناك "الموائد الرمضانية" وهى لم تعد قاصرة على الفقراء والمساكين فقط، فهى تجمع كل هؤلاء ومعهم عابر سبيل، إنسان تأخر فى عمله ولم يلحق الإفطار مع أسرته، وآخر يريد مشاركة الفقراء أكلهم وطعامهم وفرحتهم البسيطة، وربما أضاف هذا العابر بعضا مما رزقه الله على صنوف المائدة من أطعمة ومشروبات، ولعل هذا ما تتميز به مصر والمصريون فى رمضان، وإن كانت المائدة ليست أسرية، فهى تعتبر ما انضم إليها عضوا فى الأسرة الجديدة.

لقد تحدثت فى البداية عن وطننا العربى الذى لم يعد وطننا، بل وطن الغريب والمتأسلم والمعارض المأجور، وأصبح جزءا منه بسيطا للغاية وطنا لحكوماته أو أنظمته التى آلت على نفسها خراب هذه الأوطان وتخريبها ولم تفعل شيئا لإنقاذه.. فأين بلح الشام وسوريا مقسمة على نفسها، تتقاسم ترسيم حدودها ومستقبلها الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، فكل قوى تجمع تحت إبطها مجموعة من السوريين، موسكو تسمى بعض القوى معارضة مستأنسة فتجذبها لجناحها وكذلك النظام ذاته، وواشنطن تجذب مجموعة أخرى، ثم يدعو الطرفان– موسكو وواشنطن– كل هؤلاء تحت مظلة الأمم المتحدة للمشارك فى مفاوضات لا طائل منها، مفاوضات طويلة الأجل، مفاوضات بلا جدول أعمال أو نتيجة مرجوة، فتزداد أزمة السوريين، شعبا وأطفالا، وخشيتنا أن يأتينا رمضان المقبل ونحن فى هذه الدوامة.

وأمامنا وأمام أطفال سوريا فى الشتات، تحذير المبعوث الدولى إلى سوريا ستيفان دى ميستورا من تعرض الكثير من المدنيين السوريين لخطر المجاعة فى حال لم تسمح دمشق والفصائل المقاتلة المعارضة بوصول المزيد من القوافل الإنسانية التى تنقل المساعدات، فيما نقل عن تقارير موثقة أن الأطفال فى مدن سورية كثيرة بدءوا يعانون من سوء تغذية حاد، وهم مهددون بالموت إذا لم تتمكن الأمم المتحدة من الوصول إليهم. وتقدر الأمم المتحدة عدد السوريين الذين يعيشون فى مناطق محاصرة بأكثر من 400 ألف شخص معظمهم فى مناطق تحاصرها قوات النظام، بالإضافة إلى ذلك يعيش أكثر من 4 ملايين شخص فى مناطق يصعب الوصول إليها وتقع عموما بالقرب من مناطق القتال وحواجز التفتيش.

أما عنب اليمن، فحدث ولا حرج، كتبنا وكتب غيرنا كثيرا، فاليمن لم يعد سعيدا، وكيف له أن يكون سعيدا، وقد بدد حكامه ثرواته ونعيمه فى حروب شتى، مرة مع القاعدة، وأخرى مع حوثيين، حتى تلاقت رغبة نظام على عبدالله صالح مع أعدائه القدامى فى تدمير شعبه والقضاء على مستقبله، ليضيع أطفاله ويشتتوا، وليمر عليهم رمضان بلا رؤية أو احتفالات، بلا فوانيس، بلا تهانئ بقدوم الشهر الفضيل، أطفال اليمن سيكبرون العام القادم وهم لا يعلمون– ولا نحن أيضا– هل سيكون هناك يمن، أم يمنين، أو ثلاثة، كله فى علم الغيب، فالقادة أو ما يفترض أنهم قادة وكان عليهم حكم شعوبهم والتصرف بعقل وحكمة، وضعوا متاريس على عقولهم لكى لا تعمل ولتظل غائبة عن الوعى، حتى غابت بلدانهم عن الوعى.

وربما نذكر بحقيقة مرة، فقد طبع المتمردون الحوثيون فى اليمن مائة مليار ريال دون غطاء من العملات الأجنبية فى مغامرة لا يقدم عليها سوى أناس لا يعرفون ربنا، مغامرة لم يقدم عليها أى إنسان فى دولة غير عربية. لم يأبه الحوثيون ومعهم جنود على عبدالله صالح بمصلحة ومستقبل اليمن، فعاثوا فسادا هناك ليقترب هذا البلد– الذى كان سعيدا– من حافة الانهيار الاقتصادى بسبب الحرب والصراعات العسكرية والسياسية التى يمر بها اليمن والتى خلقت تشوهات فى الجانب الاقتصادي٬ وانعكست سلبا على مستوى معيشة المواطنين٬ إضافة إلى انخفاض الإيرادات.

وإذ لا يسع المقام الحديث عن شعبنا فى العراق، أرى لزاما علينا إضافة جزء بسيط عما اعترف به على أكبر هاشمى رفسنجانى، رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام فى إيران٬ بأن "يد" إيران متورطة فى العراق وسوريا ولبنان وأفغانستان للدفاع عما أسماه "مصالحها القومية"، ويزيد هذا المسئول بقوله إن بلاده لن تنسحب من تلك المناطق بسهولة رغم أن الاستمرار فيها صعب للغاية. ولم يشأ أمير عبد اللهيان، مساعد وزير الخارجية الإيرانى لشئون الشرق الأوسط٬ أن يترك الحديث لرفسنجانى فقط، ليتدخل هو أيضا بقوله: إن طهران حازمة فى مواصلة دورها (الاستشارى) فى المنطقة، ثم يصف بصفاقة لا حد لها هذا الدور بأنه "مصيرى لضمان أمن واستقرار دول المنطقة والعالم".

وبمناسبة تشتت أمورنا وغياب عقولنا، فقد أبهرنا المدعو على شمخانى الأمين العام فى المجلس الأعلى للأمن القومى الإيرانى، عندما دافع عن قرار بلاده فى التدخل بسوريا والعراق وربط تدخل إيران "بقوتها الإقليمية" قائلا إنه "لو لم تكن إيران قوية فإن الدول الصغيرة تستعرض قوتها ضدنا، وإن تعزيز تلك القدرات سيمكن إيران من منع مناورة

الأعداء".

بعد هذه الأحاديث الإيرانية فى شئوننا الداخلية، لم يسع المقام لنتحدث عن العراق الذى يعيش الفوضى فى كل صورها، وليبيا التى ضاعت للأسف ويحاول إرهابيوها تشديد الخناق على مصر لإرهاقها أمنيا وسياسيا واقتصاديا، وأخيرا فلسطين التى قال عنها المرشح الجمهورى الأمريكى دونالد ترامب إنه سيعترف بالمستوطنات اليهودية غير الشرعية ولن يعترض على إنشائها فوق الأراضى الفلسطينية، ويكفى أن هذا المرشح تجرأ على الحق وأبلغ رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نيتانياهو بأنه لن يوافق على أى حل للقضية الفلسطينية إلا إذا وافقت عليه تل أبيب.

بعد كل هذا، هل نفرح بشهر رمضان؟ كيف؟