الفلاح ومصانع سكر البنجر
بدأت مصر فى نهاية القرن الماضى خطوة جدية فى التصنيع الزراعى بإنشاء مصانع لاستخلاص السكر من البنجر، وكان من حظ محافظة الدقهلية انشاء مصنع للبنجر فى مركز بلقاس بتمويل من الصندوق الصناعى السعودى.
واقامة تلك المصانع دفعة قوية للتنمية وتتيح فرصا عديدة للعمل لأبناء مصر وتحد كثيراً من استيراد السكر من الخارج.
والفرض فى آلية عمل تلك المصانع أنها توفر الجيد من بذور الزراعة والمبيدات الحشرية والأسمدة الورقية، وأن تشرف إشرافاً فعلياً وعلمياً على عمليات زراعة البنجر لزيادة الإنتاجية لمصلحة الفلاح والاقتصاد الوطنى. والفرض أيضا أن تكون علاقة مصانع السكر مع مزارعى البنجر علاقة تعاقدية عادلة، إلا أن الواقع العملى يكشف عن قصور شديد فى أداء تلك المصانع وعلاقتها بزارعى البنجر، ويتمثل ذلك فى الآتى:
1- أن العقد الذى يبرمه مصنع السكر مع الفلاح عقد إذعان، إذ تفرض عليه ما تراه من شروط فى العقد ولا يملك الفلاح إلا أن يقبل العقد جملة ويوقع عليه أو يرفض التعامل مع المصنع، وإذا راجعنا تلك العقود سنجد بها الكثير من الهنات فضلاً على عدم وضوح وضبط التزامات المصنع.
2- ليس لدى مصانع السكر خبراء زارعيون فى زراعة البنجر يشرفون إشرافاً علمياً وفعلياً على تلك الزراعات من أجل زيادة إنتاجيتها، ولذا نجد الفلاح الذى لديه خبرة كبيرة فى تلك الزراعة يحقق عائداً أعلى من غيره.
3- تنقل المصانع محصول البنجر على نفقتها من خارج أرض الزراعة إلى المصنع ولا يسمح بعضها للفلاح بوزن حمولة السيارة قبل وصولها للمصنع ليقارن بين ذلك الميزان والميزان الذى يقوم به المصنع لدى وصول الحمولة إليه. وهذا يحدث مع مصنع سكر الدقهلية ببلقاس، فى حين تسمح بعض المصانع بذلك مثل مصنع سكر شركة صافولا بالإسكندرية، فقد ورد إليه بنجر أحد الفلاحين فى الدقهلية ووزن الحمولة بمعرفته ثم طابقها مع الحمولة الواردة فى كشف حسابه ووجدها مطابقة (عم محمد أبوغنيم).
ومصنع سكر الدقهلية وغيره لا يسمح للفلاح بحضور ميزان البنجر الذى يورده إلى المصنع، ولا يمنحه نسخة من ميزان كل حمولة تورد للمصنع، وهذا إجحاف بحق الفلاح وإخلال بالتعامل التعاقدى.
4- لا يوجد أى رقابة للفلاح على استخلاص نسبة السكر من البنجر وهى نسبة تزيد كلما يزيد فى سعر طن البنجر، ولا يمنح الفلاح المورد على الأقل بياناً بنسبة السكر فور ظهورها، وإنما يرد بذلك فى الحساب الختامى للتوريد.
5- ولا يقدم مصنع سكر الدقهلية أى دعم للفلاح، وكان فى البداية يمنحه التقاوى مجاناً، ثم عدل عن ذلك وبدأ يحاسبه عليها.
ومصنع سكر صافولا بالإسكندرية يقدم للفلاح دعما عينيا قدره (620) جنيها عن كل فدان يتمثل فى التقاوى وحرث الأرض وتسويتها بالليزر وبعض المبيدات الحشرية، وهذا ما دفع بعض الفلاحين إلى التحول من التوريد إلى مصنع سكر الدقهلية إلى التوريد لمصنع سكر صافولا. ولذا سوف يقل عدد عملاء سكر الدقهلية (حالياً 155 ألف فدان) فى العام والأعوام القادمة، ما لم يعدل المصنع من سياسته ويقدم دعماً فنياً ومادياً للفلاحين.
وعلى الدولة دعم مصانع السكر المملوكة لها ولغيرها ذلك أن جميع المصانع تعانى من ركود المنتج بسبب استيراد السكر رغم كفاية الإنتاج المحلى أو على الأقل تغطيته لمعظم احتياجاتنا، وتشغيل مصانعنا أفضل حتى لو كانت تكلفة إنتاج السكر محلياً أعلى من المستورد، وعلى الدولة أن تسمح للمصانع المملوكة لها بالاحتفاظ بجزء من إيراداتها لمواجهة مصاريف التشغيل والصيانة فى السنة التالية بدلاً من الاقتراض من البنوك بالسحب على المكشوف مقابل فوائد تتحملها وتقلل من صافى أرباحها، وهذه الفوائد يتحملها فى النهاية المواطن.