البطالة المزعومة فى مصر.. المصريون على المقاهى واللاجئون يعملون
اقتصاديون: مصر بها شعب كسلان والشباب يفتقد موهبة «إدارة الأعمال»
"البطالة" تعنى زيادة الموارد البشرية ويقابلها ندرة فرص العمل التى تغطى هذه الموارد، لكن الوضع مختلف حينما يكون هناك فرص عمل فى مصر وفى المقابل هناك شباب يرفض العمل، وخير دليل على ذلك انتشار العمالة السورية فى مصر فى كافة المجالات إذ انتشرت خلال الأعوام الثلاثة الماضية أنشطة تجارية واضحة لهؤلاء اللاجئين، بينما شباب مصر الكثير منهم يفضل الجلوس على المقاهى بدلا من البحث عن عمل.
يأتى ذلك فى الوقت الذى وجه فيه الرئيس عبدالفتاح السيسى بضرورة الاهتمام بالشباب واحتضانهم ورعاية مواهبهم العلمية والبحثية والفنية ومشاركتهم فى العمل الوطنى للقضاء على البطالة وتوفير فرص العمل لهم، وإعلان الرئيس عام 2016 هو عام الشباب.
ورغم هذا الكم الهائل من البطالة المزعومة، فأصحاب سوق العمل يبحثون عن العمالة المؤهلة والمدربة ولم يجدوا، إذن فالمشكلة ليست بطالة فقط وإنما افتقاد الكفاءة لدى العمالة المتوافرة وهو ما يمثل خطرا على الإنتاج المصرى الذى لا يرقى إلى معايير الجودة فى جميع المجالات النظرية والعملية والفنية.
ومع انتشار العمالة الأجنبية فى مصر، هناك تساؤل دائم: هل الأزمة فى ثقافة الشباب المصرى الذى يرفض العمل الخاص أو الحر وينتظر العمل الحكومى؟! أم فى ضعف مهاراتهم ورفضهم- البدء من أول السلم- والتدريب بعد التخرج؟! أم هو خلل مزمن فى منظومة العمل المصرية؟! أم عدم وجود تخطيط استراتيجى وتنسيق متكامل بين مؤسسات الدولة رغم إطلاق العديد من البرامج المحفزة والشاملة للكثير من الوزارات المعنية والمؤسسات والهيئات والبنوك لحل مشكلة البطالة المزمنة دون جدوى وواقع ملموس وأصبح للبطالة وجوه كثيرا.
العمالة الأجنبية
تزايدت ظاهرة العمالة الأجنبية فى مصر بصورة كبيرة فى الفترة الأخيرة، واصبحت تمثل خطراً حقيقياً ليس على الاقتصاد القومى فحسب ولكن ايضاَ على الشباب العاطل الذى يعانى الأمرين بحثاً عن فرصة عمل حقيقية يحصل من خلالها على قوت يومه.
وهذه الظاهرة أصبحت تطل برأسها على سوق العمل المصرية بسبب لجوء الكثير من المصانع إلى العمالة الآسيوية والسورية من أجل حل أزمة المشاكل التى يثيرها العمال المحليون بضرورة الحصول على حقوقهم وهذا الأمر ساهم فى وجود مشكلة جديدة تضاف إلى البطالة التى تعانى منها الدولة.
نجح السوريون اللاجئون إلى مصر فى الوصول إلى قلوب المصريين من خلال "معدتهم"، حيث أقاموا مطاعم للأكلات السورية انتشرت فى شوارع القاهرة وعدد من المحافظات وحققوا أرباحًا طائلة، حيث شهد هذا البيزنس نجاحًا كبيرًا من خلال إقبال المصريين على المأكولات الشعبية السورية مثل "الشاورما" والمعجنات وكذلك الحلوى الشامية الشهيرة.
رصدت "السوق العربية" غزو المطاعم السورية للقاهرة والتى أكدها فى البداية معتصم حسين، صاحب أحد المطاعم بشارع فيصل بالجيزة، أن السوريين بشكل عام يجيدون طهى الأطعمة التى يعشقها المصريون، ما ساهم فى نجاح هذا الغزو الاقتصادى، لافتًا أنه شارك بعض أبناء وطنه اللاجئين من مصر فى مطعم مخصص لبيع الشاورما وتشهد إقبالًا كبيرًا من المصريين.
وقال حسين: "لقد شردتنا الحرب والظلم والقصف الجوى على أراضينا والفوضى انتشرت، فبدأت القصة بمظاهرات ثم وجدنا القصف النظامى حتى دخل علينا الدخلاء وأصبحت حربا أهلية ولن تنتهى إلا بزوال أحد الطرفين، لكننا تحدينا الظروف لأن الحياة لا تتوقف على مكان رغم أننا نشتاق إلى وطننا".
وقال شلهوم الغازى بائع فى المحل وهو سورى أيضا: "غادرت إلى مصر هربًا من الحرب منذ ما يقرب من عام ونصف العام، وقد بحثت خلالها عن وظائف كثيرة حتى وجدت هذا المحل الذى يمتلكه رجل أعمال سورى والحمد لله أشعر بالرضا تجاه عملى.
وأوضح الغازى أن الفرق بين المصريين والسوريين فى العمل، هو أن المصريين ليس لديهم الحماس والصبر على العمل حيث يشعرون بالإحباط لمجرد عدم وجود زبائن ويغلقون محلاتهم، لكن الشعب السورى مكافح، وصبور، ما يجعله ينتظر حتى يحصل على ما يريد.
منافسة قوية
ويقول الخبير الاقتصادى ابراهيم أحمد الشاذلى، إن السوريين أثبتوا أن مصر ليس بها بطالة لكن فيها كسالى، مشيرًا أن اللاجئ يمتلك من الإرادة والنشاط ما أهله للعمل من أجل الحصول على لقمة العيش.
وأضاف الشاذلى فى تصريح لـ"السوق العربية" أن انتشار المطاعم الشامية خلقت منافسة قوية بين المنتج السورى والمصرى نظرًا لمذاقه الطيب وأسعاره المعقولة والمناسبة للأسرة المصرية متوسطة الدخل، بدليل امتلاء هذه المطاعم بالزبائن، وأغلبهم من المصريين.
وأشار إلى أن القطاع الخاص يبحث دائماً عن عمالة لكن الشباب المصرى يستكبر العمل لأن المرتب لم يعجبه أو المكان وبالتالى يذهب العامل السورى او غيره من العمال الأجانب الذين يريدون العمل فى أى شىء وبتكلفة مناسبة لصاحب هذا القطاع.
وهذا دليل واضح وصريح على ان الشعب المصرى شعب كسول لا يحب العمل ويبحث على العائد المادى فقط وهو جالس فى بيته لذلك يجب على الدولة ان تعمل على تدريب الشباب جيداً لأن مصر فى الفترة المقبلة تحتاج لسوق عمل حقيقى.
وقال فخرى الفقى مساعد مدير صندوق النقد الدولى الأسبق، أن هناك الكثير من الشباب المصرى يفتقدون لموهبة إدارة المشروعات الصغيرة، لافتا إلى أن إدارة الأعمال تحتاج إلى موهبة خاصة تجمع ما بين التنظيم والنشاط وليس بالتعليم فقط، فكم من الآلاف الحاصلين على مؤهلات عليا ولا يستطيعون إدارة "كشك".
وأضاف الفقى فى تصريح لـ"السوق العربية"، إن الشباب السورى الذين ينتشرون فى مصر هم رواد أعمال تحدوا الظروف الصعبة بأى طريقة، موضحًا أنه يتم معرفت الشاب رائد الأعمال من خلال 3 علامات وهى أنه يحب أن يكون له عمله الخاص ولا يحب أن يكون موظفا فى الحكومة أو فى القطاع الخاص ونسبتهم واحد فى الألف، مشيرًا إلى أنه يحب أن يصنع القرار ويحب المخاطرة المحسوبة.
دور وزارة الشباب
وأكد المهندس خالد عبدالعزيز وزير الشباب والرياضة أنه انطلاقا من رسالة السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى فى يوم الشباب المصرى التى طالب فيها بالعمل على الاهتمام بالشباب فى جميع المجالات لمنحهم الفرصة لتولى المسئولية.
وسعيا من وزارة الشباب والرياضة لنشر ثقافة العمل الحر وتشجيع الشباب وتمكينهم لإقامة مشروعات صغيرة لمواجهة البطالة فى مصر وسد الفجوة فى سوق العمل، تقوم الإدارة المركزية للمشروعات وتدريب الشباب بتنظيم مؤتمر إطلاق قدرات شباب مصر فى مجال التدريب وريادة الأعمال باستخدام تكنولوجيا المعلومات تحت شعار "مشاركة، تمكين، ابتكار" الذى بدأ فى الفترة ما بين 18 حتى 22 الشهر الحالى بمدينة شرم الشيخ بهدف تعريف الشباب بمبادئ ريادة الاعمال المجتمعية.
وسيتم طرح طرق تحويل الحلول المبتكرة إلى شركات تنمية مجتمعية تسهم فى الاقتصاد المصرى وعرض للفرص المتاحة أمام الشباب للمشاركة الفعالة فى بناء المجتمع ولإنشاء شركاتهم الخاصة، وسيكون تبادل المناقشات بين الجهات المشاركة كالآتى:
الجمعيات والمؤسسات القائمة على كيفية تشجيع الشباب وتمكينهم للمشاركة فى تنمية المجتمع من خلال إنشاء شركات مبتكرة هادفة لحل التحديات المجتمعية المختلفة.
المؤسسات الاستثمارية المختلفة التى تركز على تمكين الشباب اقتصاديا وتعليميا لإنشاء شركاتهم الخاصة فى شتى المجالات.
المؤسسات الداعمة للابتكار لاستعراض الفرص التعليمية والاقتصادية المتاحة لتمكين الشباب للابتكار.
كما تعمل الوزارة من خلال هذه المبادرة على تشجيع ومساندة القطاع الخاص فى تحقيق التنمية الشاملة للنشء والشباب بسوق العمل وتحفيز الشباب للمشاركة فيها من خلال التأهيل والتدريب التحويلى للشباب واكتسابهم مهارة جديدة ورفع المستوى المهارى والمهنى وفقا لاحتياجات سوق العمل لتغطية العجز فى العمالة الفنية بالمصانع والشركات لزيادة إنتاجية المصانع والشركات من خلال التدريب التحويلى على المجالات التجارية والمجالات الصناعية والمجالات الزراعية والمجالات التسويقية والمهن الخدمية ودورات فى مجال الحاسب الآلى.
وزارة القوى العاملة
وبدأت وزارة القوى العاملة فى إرسال النشرة تربع السنوية التى تعدها بالتعاون مع الجهاز المركزى للتعبئة العامة والاحصاء، ومركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، حول سوق العمل المصرى، للدكتور أشرف الشيحى وزير التعليم العالى والبحث العلمى، متضمنة قوة العمل والمشتغلين والمتعطلين واتجاهات سوق العمل، لتوضح اتجاهات سوق العمل والجهود المشتركة بين الحكومة والقطاع الخاص، من أجل توفير فرص العمل المنتجة والحقيقية لشباب الخريجين بجميع تخصصاتهم، لتكون مؤشرا مبدئيا يربط بين ما يدور بالخارج وما هو قائم فى سوق العمل الداخلى.
إجمالى العاطلين
وفقا لتقديرات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والاحصاء يبلغ إجمالى العاطلين 3 ملايين و530 ألفا خلال الفترة من أبريل يونيو 2015 بمعدل 12.7%.
فيما طالب الدكتور رضا العدل استاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس بربط التعليم بسوق العمل، معللا ذلك بأن مخرجات التعليم لا تتناسب مع احتياجات سوق العمل، فيجب أن نربط كليهما، لأن الواقع يقول إن هناك مصانع ومستثمرين تتوافر لديهم وظائف فنية، ولا يوجد من يشغلها، لأن الشباب يريدون العمل وفقا لتخصصاتهم.
وتابع فى حديث لـ"السوق العربية": "ومن هنا زادت بطالة الخريجين وأصبح لدينا خريجو جامعات أكثر من الفنيين الذين هم مطلوبون لسوق العمل وتقوم الوزارة بالتغلب على ذلك من خلال توفير فرص عمل حقيقية، وتوثيق التعاون مع أصحاب الأعمال والمستثمرين لزيادة فرص العمل، هذا بالإضافة إلى إبرام اتفاقيات وبروتوكولات تعاون مع بعض الدول ذات الاقتصادات المتنامية، وتمثل أسواقا واعدة وغير تقليدية أمام العمالة المصرية.