تزوير الانتخابات البرلمانية من 1952م- 2015م
تشهد الانتخابات البرلمانية تزويراً فى الانتخابات فى السواد الأعظم من الدول المتقدمة التى تدعى التطبيق السليم للديمقراطية، وتشهدها بكثرة معظم دول العام الثالث وبخاصة حدثية الاستقلال والديمقراطية، ولنا فى مصر تجارب عن ذلك التزوير خلال الجمهوريات الثلاثة الأولى (عبدالناصر - السادات رحمهما الله، ومبارك)، بالاضافة إلى السنة السوداء التى حكم مصر خلالها الاخوان، والهـدف من تزويـر الانتخابات البرلمانية يكـون دائماً لـدعـم الحاكـم الـديكتاتـور أو الذى يريد أن يكون دكتاتوراً.
وتزوير الانتخابات البرلمانية عدة أنواع :
الأول: تزوير مادى فى أوراق العملية الانتخابية ذاتهـا، وهـو ما اصطلـح على تسميــته بـ(تسويد بطاقات الانتخابات لصالح مرشح معين أو مرشحين بعينهم)، والتزوير عمداً فى النتائج النهاية سواء فى عمليات الفرز أو جمع الأصوات أو اعـلان النتيجة لصالح مرشح بعينه أو مرشحين بعينهم، وهـذا هو أبشع أنواع التزوير، لأنـه يكون غالباً تزويراً مؤسسياً يتم بمعرفة أجهزة الدولة نفسها أو بمساعدتها، وهذا النوع من التزوير لا يستطيع المرشح التصدى له خاصة إذا وقع من احدى سلطات الدولة.
والنوع الثانى من التزوير : هو تزوير ارادة المواطن الذى يقوم بالانتخاب، ومن صور هذا التزوير العبث فى مدة الرئاسة باطالتها أو بالحرمان من تقصيرها.
ومنه التزوير المؤسسى لارادة الناخب حيث تقوم الدولة بعمل مادى أساسى أو عمل مادى مساعد، أو بالوعد كالوعد بالترقى وتوجيه الناخب الموظف للادلاء بصوته لشخص أو أشخاص معينين.
وقد حدث كل هذا خلال الجمهوريات الثلاث الأولى وخلال سنة حكم الاخوان السوداء، حيث كانت الدولة ومؤسساتها وشركاتها تحشد موظفيها لدعم مرشح بعينه، ويسخرون عادة وسائل الانتقال الحكومية للناخبين من الموظفين لحثهم على ذلك، ومن تزوير الدولة لادارة الناخب أن تجعل معيار نتائج الانتخابات مؤشراً على استمرار المسئول التنفيذى فى موقعه.
ولتزوير ارادة الناخب اشكال عديدة تبدأ بارادة الحاكم نفسه، أما بصورة ايجابية حنيما يريد اطلاق مدة رئاسته الواردة فى الدستور المحددة فقط بمدتين رئاسيتين، فيجرى استفتاء شعبى لتعديل الدستور لاطلاق مدة الرئاسة- والشعب لا يريـد دائماً اطلاق مدة الرئاسة- فيتم التعديل كما يريد الحاكم، وقد فعل ذلك الرئيس الراحل أنور السادات.
وقد يتم التزوير بتزوير إدارة الناخب بصورة سلبية كما فى حالة رفض الحاكم تحديد مدة الرئاسة وعدم اطلاقها، وقد حدث هذا فى فترة حكم الرئيس مبارك حيث كانت مدة الرئاسة مطلقة وأعلن فى بداية حكمة عن رغبته فى تحديدها بمدتين، لكنه لم يفعل.
ومن صور تزوير ارادة الثابت حرمانه من ممارسة حقه فى الانتخاب، وبلغ ذلك مداه فى ممارسات الاخوان خلال الفترة الانتقالة وخلال سنة حكمهم السوداء حيث كانوا يتقربون إلى الناخبين خاصة فى القرى القصيرة ويمدونهم فى البداية بالرشارى العينية، ثم يطلبون قبل إجراء عملية الانتخابات بطاقاتهم الشخصية بزغـم قيامهـم بعمـل معاش لهـم، وقـد نجح الاخــوان الإ فى القليل مـن الحالات التى اكتشف فيها بعض المواطنين البسطاء اللعبة فرفضوا اعطاءهم بطاقاتهم ورشاواهم المادية ولعنوهم ولقنوهم درساً فى أصول الديمقراطية.
ولوحظ أيضاً انتحال صفة الناخب للالاء بصوته خاصة من نساء الاخوان والسلفيين المنتقبات.
ومن صور تزوير ارادة الناخب الرشاوى العينية، والرشادى النقدية للناخب نفسه أو لمنطقة (مدينة أو قرية).
وقد شاهدنا خلال حكم الاخوان ألواناً متعددة من الرشاوى العينية كتوزيع المواد الغذائية والملابس ومستلزمات المدارس، وقام حزب النور بذلك أيضاً.
وقبل ثورة 1952م لم أشاهد تزويراً مادياً أو معنوياً لأن عمرى وقت قيام تلك الثورة لم يزد على ثلاث سنوات، ولم أقرأ فيما بعد عن تزوير مادى أو معنوى فى الانتخابات قبل تلك الثورة، وكل ما أعلنته ثورة 1952م وقادتها فى هذا الصدد هو فساد الأحزاب السياسية، بمعنى أنها عملت لمصالحها ولم تعمل لصالح الدولة، ولذا حلت الدولة الأحزاب السياسية ولم توافق على انشاء أى من الأحزاب القديمة، ثم وافقت خلال فترة لاحقة على انشاء الحزب الواحد.
وحينما سعى الوفد خلال تلك الفترة لممارسة العمل السياسى رفض قادة الثورة وقالوا طهروا صفوف الوفـد أولاً، ولـم نكن نسمع عن فساد مؤسسى فى الوفد، ولذا قام الوفد بفصل البعض من أعضائه ولم يكن لدى الدولة فى الجمهورية الأولى أى دليل على تزوير الانتخابات قبل الثورة.
ورغم هذا كان هناك من وزراء عبد الناصر من لا يوافق على التزوير فى الانتخــابات بـأى صــورة، فحينما كـان المرحوم الاستاذ الدكتــور/ محمد حلمى مـــراد وزيراً للتربية والتعليم ترشــح لانتخابات رئاســة اتحــاد طــلاب مصـر طــالبين أحدهما من طنطا وينتمى لعائلة كساب، والآخر (رحمه الله) اسمه سمير شحتو، ولاحظ الوزير أن الدولة (عن طريق حسين الشافعى رحمه الله) تدعم المرشح الأول خلال الحملة الانتخابية بكافة صور الدعم المادى كوسائل النقل، ويبدو أن الوزير لم يكن قادراً على منع هذا الدعم، فلجأ إلى تسخير وسائل نقل الوزارة لدعم المرشح الآخر (المرحوم/ سمير شحتو) فى حملته الانتخابية، فنجح وفاز برئاسة اتحاد طلاب الجمهورية.
وخلال الجمهورية الثانية برئاسة المرحوم/ السادات شاهدنا كافة صور تزوير الانتخابات البرلمانية سـواء كـان تزوير مادياً أو تزوير لارادة الناخب أو تزويـراً تشريعـاً لارادة الناخب، (وكان هـذا التزوير التشريعى واضحاً فى إجراء تعديل الدستور لاطـلاق مدد الرئاسـة، وكانت محددة بمدنتين فقط)، وكان هذا بناء على اقتراح فى البرلمان من المطربة النائية فايدة كامل زوجة المرحوم/ النبوى اسماعيل (رحمه الله) وزير الداخلية الأسبق.
وفى الجمهورية الثالثة التى قادها الرئيس حسنى مبارك شاهدنا كافة أنواع وصور التزوير المادى وتزوير ارادة الناخب، بالاضافة إلى التزوير المؤسسى لارادة الناخب حيث رفض إجراء الاستفتاء على تعديل الدستور لتحديد مدة الرئاسة فى الدستور بمدتين فقط، رغم أنه وعد فى بداية حكمة بإجراء ذلك التعديل، وخلال السنة السوداء التى حكم فيها الاخوان وقبلها أثناء فترة الحكم الانتقالى مارس الاخوان كافة وأبشع صور التزوير.
وقد لاحظنا من خلال الجموريات الثلاث السابقة أن طول مدة الرئاسة قد يكون سبباً رئيسياً لتزوير الانتخابات البرلمانية وصناعة الحاكم الدكتاتور، ومنهم من لاينفذ إلا ما يعتقد صحته ولا يقتنع بآراء بعض مستشارية رغم سدادها.
أما فترة حكم الرئيس/ السيسى القليلة الماضية، فلم نشاهد فى الانتخابات الرئاسة أى نوع من أنواع التزوير، وكان انتخابية وآراء الناخبين فيه نابعة من محبة شعبية له، خاصة بعد موقفه المشرف من ثورة الثلاثين من يونيو وقت أن كان وزيراً الدفاع.
والانتخابات البرلمانية الأخيرة عام 2015م لم نشهد فيها أى تزوير مؤسسى من أى جهـة من جهات الدولة خاصة جهاز الشرطـة والقوات المسلحة ورجـال القضاء، كما لم نشهد أى نوع من أنواع التزوير المادى، أو تزوير الدولة لارادة الناخب سوى فى ثلات حالات فردية من عاملين باللجان الانتخابية، وقع تزوير إرادة الناخب بالرشاوى الانتخابية من بعض المرشحين أنفسهم وبعض الأحزاب السياسية، وسيكتب التاريخ عن نزاهة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بحروق ذهب كوسام شرف على صدر الرئيس/ السيسى وصدر حكومته.
ويجب أن تولى الدولة أهمية للكشف عن والحد من تزوير إرادة الناخب، وذلك بتعديلات تشريعية واجرائية ورقابية خاصة بالرشاوى الانتخابية، ويجب أن تشمل التعديلات التشريعية تشديد العقوبة عليها لتصل إلى الحبس مدة لا تقل عن سنة والغرامة التى لا تقل عن مائة ألف جنيه أو باحدى هاتين العقوبتين، وتخفض العقوبة إلى الربع إذا أبلغ الشريك عن الراشى الحقيقى وتم ضبطه، ولا يعد جريمة التبرع باقامة المشروعات الانتاجية أو الخدمية للمواطنين أو المساهمة النقدية فى اقامتها. ومن التدابير الاجرائية والرقابية تكليف الشرطة بجمع التحريات عن الرشاوى الانتخابية وضبطها، وتكليف كافة وحدات الحكم المحلى كل فى حدود اختصاصة بجمع المعلومات عن الرشاوى الانتخابية البرلمانية قبل بدء عملية الاقتراع بشهر على الأقل وتقديم تقارير مكتوبة عنها إلى الشرطة لاتخاذ اللازم قانوناً بشأنها.