السوق العربية المشتركة | يخت «المحروسة».. شاهد حى على قناة السويس من الخديو إسماعيل إلى السيسى

السوق العربية المشتركة

الأحد 17 نوفمبر 2024 - 07:42
رئيس مجلس الإدارة
أمانى الموجى
رئيس التحرير
أشرف أبوطالب

يخت «المحروسة».. شاهد حى على قناة السويس من الخديو إسماعيل إلى السيسى

مجموعة من الصور المنتقاة والمختارة لليخت
مجموعة من الصور المنتقاة والمختارة لليخت

146 عامًا من الإبحار فى ذاكرة الأمة..

شهدت احتفالية افتتاح قناة السويس الجديدة، ظهورًا فريدًا ومميزًا، حظى بإبهار أنظار العالم وكبار الضيوف والشخصيات العالمية التى حضرت المناسبة التاريخية.

إطلالة اليخت الملكى العريق "المحروسة" خلال حفل الافتتاح، خطفت الأبصار والعقول، نظرًا لما تمثلها من رمزية لها مدلولها فى أكبر مناسبة لمصر والعالم فى الألفية الثالثة.

ذاكرة المصريين

بعد 146 عامًا من الإبحار فى ذاكرة الأمة المصرية، خضع يخت "المحروسة" العريق لعملية "تجميل" سريعة، بعد أن غادر مرساه من أمام قصر رأس التين بالإسكندرية، للمشاركة فى احتفالات افتتاح قناة السويس الجديدة.

من رحلات طويلة شقها فى بحار التاريخ، يحمل "اليخت" على كاهله ذكريات وسجلًا حافلًا للحظات الفرح والألم فى عقود عديدة من تاريخ البلد الذى يحمل لقبه.

تعود قصة بناء اليخت إلى العام 1863 حين أمر الخديو إسماعيل بإنشائه، وأسندت المهمة لشركة «سامودا» بلندن، وتم الانتهاء منه فى إبريل عام 1865، وكان طوله 411 قدما وعرضه 42 قدما وحمولته 3417 طنا، ويسير بالبخار بوقود الفحم بواسطة "طارات" جانبية بسرعة 16 عقدة فى الساعة، وله مدخنتان ومسلح بثمانية مدافع من طراز "أرمسترونج".

وقام الطاقم البحرى المصرى باستلام اليخت فى أغسطس 1865، وتم الإبحار به من ميناء لندن فى شهر أغسطس 1865 عبر نهر التايمز إلى ميناء الإسكندرية.

وطوال السنوات التى احتضنت فيها مياه مصر يخت "المحروسة"، ظل غير متبرم من حمل ملوكها وسادتها، وكان شاهدًا أمينًا على أحداث تاريخية كبرى.

فى عام 1867 استخدم اليخت فى نقل الحملة المرسلة لإخماد الثورة بكريت كما سافر على متنه الخديو إسماعيل عام 1868 لحضور المعارض المقامة بباريس، وكان رفيقه أيضا عام 1869 لميناء مرسيليا بفرنسا لدعوة ملوك وأمراء أوروبا لحضور حفل افتتاح قناة السويس.

"المحروسة" كان له السبق كأول عائمة بحرية فى العالم تعبر قناة السويس عام 1869 وعلى ظهره الملوك والأمراء، ومنهم الإمبراطورة أوجينى إمبراطورة فرنسا وزوجة نابليون الثالث، وأمير وأميرة هولندا وإمبراطور النمسا فرنسوا جوزيف، وولى عهد ألمانيا الأمير فريدريك، وحينها أهدت الإمبراطورة أوجينى "بيانو" أثريا للخديو إسماعيل، كان قد صنع خصيصا للإمبراطورة فى "شتوتجارت" بألمانيا عام 1867، وعزفت عليه بنفسها على ظهر اليخت، وما زال موجودا حتى الآن بنفس حالته الأصلية.

أدخلت تعديلات عديدة على "المحروسة" غيرت من معالمه، أبرزها عام 1872 عندما أرسل إلى لندن لزيادة طوله 40 قدما، وبعدها اصطحب الخديو إسماعيل بعد عزله عن العرش عام 1879 إلى نابولى فى إيطاليا.

وفى عام 1894 تم تغيير الغلايات بورشة "حسبو" بك بالإسكندرية، وفى عام 1905 تم تعديل الشكل الخارجى وتطوير وسائل الدفع بترسانة إنجلترا، حيث تم نزع "الطارات الجانبية" لتحل محلها "الرفاصات" وزود بأحدث توربينات بخارية فى العالم. كما تم تزويد اليخت بالتلغراف عام 1912، وفى عام 1919 عاد إلى إنجلترا لدخول الحوض بميناء "بورت ثموث" لتغيير وقود الفحم إلى مازوت وتمت إطالة اليخت 27 قدما من المؤخرة، وفى الفترة من عام 1949 تم تطوير وتعديل اليخت بالترسانة البحرية بـ"جنوه" فى إيطاليا ليصبح عام 1952 من أحدث اليخوت.

ومن بين الأحداث التاريخية المهمة التى كان المحروسة شاهدا عليها، حمله شاه إيران السابق محمد رضا بهلوى وهو فى طريقه لعقد قرانه على الأميرة فوزية شقيقة الملك الراحل فاروق عام 1939. أما أبرز الأحداث التى سجلتها ذاكرة المحروسة فكانت لحظة رحيل الملك فاروق عن مصر إلى إيطاليا فى 26 يوليو عام 1952، بعد تنازله عن حكم مصر لابنه الأمير "الملك السابق والأخير لمصر" أحمد فؤاد الثانى، مصطحبا بناته الأميرات معه ليعشن بعيدًا عن أمهن الملكة فريدة التى كانت تخشى السفر لروما لرؤية بناتها خوفًا من فقدانها الجنسية المصرية.

شاهد على العصور

فور عودة اليخت إلى مصر تم تغيير اسمه ليصبح "الحرية"، حيث شارك فى عهد الرئيس جمال عبدالناصر عام 1956 فى العديد من الرحلات البحرية التاريخية وسافر على ظهره الرؤساء خروشوف وتيتو، كما شارك فى مؤتمرات باندونج وبريونى والدار البيضاء واللاذقية لدول عدم الانحياز.

من بين رؤساء مصر كان الراحل أنور السادات الأكثر تعلقًا بالمحروسة، ومن أشهر الرحلات التى صاحبه فيها رحلته إلى يافا لتوقيع اتفاقية السلام مع "إسرائيل"، وقبلها حضر على متنه الافتتاح الثانى لقناة السويس فى 5 يونيو 1975، كما شارك اليخت فى المناورة البحرية عام 1974 وعلى متنه العاهل السعودى الراحل الملك فيصل، وصعد على متنه أيضًا الراحلان الملك خالد والملك حسين إضافة إلى السلطان قابوس، وقد استخدم اليخت خلال الفترة من 1955 حتى 1973 لتدريب طلبة الكلية البحرية المصرية.

يتكون المحروسة من خمسة طوابق، يضم الطابق السفلى الماكينات والغلايات وخزانات الوقود، بينما يضم الطابق الرئيسى غرف الجلوس، المطابخ، المخازن، الجناح الشتوى، والقاعة الفرعونية إضافة إلى جناح الأمراء والأميرات، أما الطابق العلوى الأول فيحتوى على المقدمة، والمخطاف، والأوناش، وصالة الطعام وصالة التدخين، ويضم الطابق العلوى الثانى سطح المدفعية، والحديقة الشتوية والصيفية، والجناح الصيفى والصالة الزرقاء، فيما يضم الطابق العلوى الثالث الممشى والعائمات، ويضم اليخت أربعة مصاعد منها المصعد الخاص بالجناح الخصوصى، كما يوجد "جراج" خاص لسيارة الملك.

قصر عائم

يعد "المحروسة" أحد القصور الملكية العائمة، بما يحتويه من نقوش وزخارف ولوحات زيتية لأشهر الرسامين العالميين، إذ سجلت فيه كل حضارات مصر عبر العصور المختلفة، سواء الفرعونية، أو اليونانية أو الرومانية أو العربية والإسلامية، كما يحتوى على مشغولات فضية وكريستالات وليموج (خزفيات) وصينى وسجاد يرجع تاريخه إلى القرن الثامن عشر.

قطع اليخت خلال تاريخه البحرى مسافة تقارب نصف المليون ميل بحرى أثناء رحلاته، سواء فى المياه الإقليمية أو البحار والمحيطات المختلفة، وتوالى على قيادته حتى الآن 40 قائدًا بحريًا أولهم الأميرالاى فردريك بك، تلاه عدد من أمراء البحار.

يعتبر يخت "المحروسة" واحدًا من أكبر اليخوت فى العالم بعد اليخت الخاص بالشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم إمارة دبى، الذى يبلغ طوله 525 قدمًا.

وعلى الرغم من مرور 144 عامًا على تدشين "المحروسة" أو "الحرية"، ما زال شبابه متجددًا، وبحسب العديد من الخبراء فإنه يحتفظ بقدرته على الإبحار، بل نال دفقة من النجومية، جددت ذكرياته القديمة مع عرض مسلسل الملك فاروق الذى قام ببطولته الفنان تيم الحسن، وهو ما فتح فضول الجمهور لطلب زيارته فسمحت القوات البحرية المصرية بذلك بعد أخذ التصريحات اللازمة، حيث يستطيع الزائر الآن أن يتجول على متنه ويستمع لشرح كامل لتاريخه ويزور حجراته وصالوناته ليستعيد عبق التاريخ المصرى.