الإعدام وظُلمنا للرئيس
تغـــيير السلـــوك مقدمــــة التنمــية
أعجب لهؤلاء الجهلاء وللأسف بعضهم مصريون- الذين يهاجمون القضاء المصرى فيها يقضى به من عقوبة الإعدام.
وعقوبة الإعدام منصوص عليها فى القانون المصرى ومستمدة من الشريعة الاسلامية، فقط عرفت شريعتنا الغراء الجرائم وشرعية العقوبات فيها، وكان العقاب على الجريمة لمنع الناس من اقترافها، لأن النهى عن الفعل والأمر بإتيانه لا يكفى وحدة لحمل الناس على إتيان الفعل أو الانتهاء عنه، ولولا العقاب لكانت الأوامر والنواهى ضرباً من ضروب العبث، فالعقاب هو الذى يجعل الأمر والنهى مفهوماً ونتيجة مرجوة وهو الذى يزجر عن الجرائم ويمنع الفساد فى الأرض ويحمل الناس عن الابتعاد عما يضرهم.
وعقوبات الفعل نص عليها القرآن الكريم، فقال تعالى “ولا تقتلوا النفس التى حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً...” الاسراء: 33، وقوله تعالى : «وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له...» المائدة: 45، وقوله تعالى “يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص فى القتلى...” البقرة: 178، وقوله تعالى “إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون فى الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض“ المائدة: 33. وقمة الفساد فى الأرض إعلان الحرب على المجتمع من خلال تهديد أمن الناس والاعتداء على أرزاقهم وممتلكاتهم ونفوسهم.
تلك هى أحكام الشرعية الإسلامية التى استخدمها قانون العقوبات المصرى فى نصوصه فى شأن القتل، ألا نحترمها ونطبقها؟
وفى صدد أحكام الإعدام رأى البعض إلغاءها ورأى ضرورة المواءمة القضائية عند إصدارها، وقد عبر عن هذا المفكر الكبير الأستاذ الدكتور/ مصطفى الفقى فى حديثين تليفزيونيين، وهذا رأى فى شق منه مخالف للشريعة الإسلامية، وخاطئ فى شقه الآخر، فكيف يتم إلغاء أحكام الإعدام فى مصر وهى دولة إسلامية تحترم أحكام الإسلام وقوانينها فى الإعدام مستمدة من الشريعة الإسلامية ولا تخالفها، أما فكرة المواءمة القضائية فهى أمر مقيت لا يعرفه ولا ينبغى أن يعرفه القاضى الجنائى، ولا يعرفها سوى القاضى الإدارى فى الرقابة على القرارات الإدارية التى تصدرها الإدارة بما لها من سلطة تقديرية.
وأحكام الإعدام محاطة بثلاثة ضمانات للمحكوم عليه كما يلى:
الضمانة الأولى هى استطلاع رأى المفتى قبل اصدار حكم الإعدام، وهى ضمانة إجرائية مصرية يترتب على تخلفها بطلان الحكم، واحالة الأوارق للمفتى لإبداء الرأى الشرعى قصد به التحقق من قيام حد القتل وأنه لا توجد شبهة تدرأ الحد عن المتهم القاتل.
والضمانة الثانية فى الأحكام التى تصدر من محاكم الجنايات بالإعدام أن القانون أوجب على النيابة العامة أن تطعن من تلقاء نفسها أمام محكمة النقض على الحكم الصادر بالاعدام حتى لو لم يطعن عليه المتهم، وهذا تعديل أخير تم إدخاله على القانون لتحقيق ضمانة للمحكوم عليه، وهو تعديل غير موفق لإدارى كيف انزلق إليه من أعد مشروع التعديل، لأنه كيف يتأتى للنيابة العامة وهى سلطة الاتهام، وهى التى قدمت المحكوم عليه للمحاكمة، وقدمت أدلة ادانته، وطلبت عقابه بالإعدام- كيف يتأتى لها– بعد كل ذلك– أن تطعن على الحكم الصادر بالإعدام أمام محكمة النقض، وكيف ستطعن النيابة على الحكم إن لم يكن بالحكم مخالفة للقانون فى أى من صورها؟ ومناط الطعن وقبوله أن يكون هناك قصور فى الحكم يشكل سبياً أو أسباباً للطعن عليه. وكنا نفضل أن يقترح من أعد مشروع التعديل– وهو يعلم دون شك بما تقدم– أن يكون مشروع التعديل قاصراً على إضافة نص إلى اختصاصات محكمة النقض لتنظر من تلقاء نفسها الأحكام الصادرة بالاعدام حتى لو لم يطعن المحكوم عليه على الحكم، وهذا يحقق الضمانة التى ابتغاها المشرع، وقد أخذ بهذا الحل القانون السعودى حيث منح فى المادة (11) من نظام القضاء المحكمة العليا (محكمة النقض) الاختصاص بمراجعة الأحكام والقرارات التى تصدرها أو تؤيدها محاكم الاستئناف بالقتل أو الرجم أو القصاص فى النفس أو ما دونها.
والضمانة الثالثة فى أحكام الإعدام هى أن التقاضى على درجات، ذلك أنه متى أصدرت محكمة الجنايات حكماً بالإعدام كان للمتهم– فضلاً عن النيابة العامة– الطعن على الحكم أمام محكمة النقض، فإن رأت مخالفة فى الحكم للقانون قامت بالغائه واعادة القضية إلى محكمة الجنايات لنظرها مجدداً من دائرة أخرى، وإذا أصدرت محكمة الاحالة (الدائرة الأخرى لمحكمة الجنايات) حكماً بالاعدام كان للمتهم– فضلاً عـن النيابة العامة- الطعن للمرة الثانية على الحكم أمام محكمة النقض، وفى هذه الحالة تنظر محكمة النقض القضية كمحكمة موضوع شأنها فى ذلك شأن محكمة الجنايات، وبهذا يكون التقاضى فى القضايا التى يحكم فيها بالإعدام فى الواقع من ثلاث درجات.
أما الأحكام الصادرة غيابياً بالإعدام فإنها تسقط تلقائياً بقوة القانون فـور مثول المحكوم عليه أمام المحكمة (سواء من تلقـاء نفسه أو بالقبض عليه تنفيذاً للحكم الغيابى) وتعاد محاكمة المتهم من جديد، ويمر بدرجات التقاضى السابق الإشارة إليها.
وحينما يكون حكم الإعدام باتاً أى استنفد جميع طرق الطعن فيه وأصبح واجب النفاذ يبدأ حق الرئيس فى العفو عن المتهم، إن هو رأى وجهاً لذلك، وهنا يجب أن نشير إلى أنه متى كان فى الجريمة دم، أى اعتداء على نفس بشرية امتنع على الرئيس استخدام حق العفو، لأن الأمر يتعلق بولى الدم وهو وحده صاحب الحق فى العفو وليس رئيس الجمهورية.
وقد ظلمنا نحن المصريين رجال قانون وكتابا ومثقفين وإعلاميين ورجال أزهر– الرئيس عبدالفتاح السيسى حينما تركنا العبء عليه وحده ليوضح أثناء زيارته لألمانيا حقيقة ما حدث ويحدث فى مصر وحقيقة أحكام الإعدام. وكان الرئيس وبفضل من الله أكثر من موفق فى عرض وجهة نظره، حيث قال إنه لو لا ما حدث فى مصر خلال ثورة 30 يونيو وخروج الشعب لمكافحة الفاشية الدينية لكان للمنطقة كلها شأن ومصير آخر، ولكان أبناء الشعب المصرى يطلبون المساعدات الإنسانية من دول العالم مثلماً يحدث فى بعض الدول العربية، وأن الشعب المصرى الذى أعطى للرئيس الأسبق محمد مرسى 51% فى الانتخابات الرئاسية لم يجد وسيلة سوى الخروج إلى الشارع لنزع الشرعية عنه عندما انحرف عن المسار، وأن الجيش المصرى ملك لشعبه وليس لأى حاكم بدءاً من مبارك حتى السيسى، وأوضح الرئيس فى شأن أحكام الإعدام أن مصر دولة دستورية منذ عام 1923م وتحترم سيادة القانون ولا تستطيع أن تتدخل أو تعقب على أحكام القضاء المصرى، وأن احالة القضاء الأوراق للمفتى هى لاستبيان الرأى الشرعى، وأن غالبية أحكام الإعدام غيابية وهى تسقط بحكم القانون بمجرد مثول المتهم أمام المحكمة، وأن حكم الإعدام له عدة درجات.
وكان من الواجب على جميع سلطات الدولة ورجال القانون والمثقفين والاعلاميين ورجال الأزهر الشريف أن يحملوا عبء الإيضاح المتقدم عن الرئيس قبل وأثناء زيارته لألمانيا، ويبدو أن كلا منا يغرد بطريقته، وهو أمر لا يصلح فى المرحلة الحالية الهامة من مسيرة مصر، ولذا ادعو رئيس الوزراء لتشكيل لجنة لبيان حقيقة ثورة 30 يونيو وما تلاها من أحداث إرهاب، لتتولى هذه اللجنة تجميع وتوثيق تلك الأحداث وعرضها بالصوت والصورة بعدة لغات لتوزع بجميع الوسائل على كل الدول ووسائل الإعلام العالمية، ويبدأ ذلك العمل ببيان التاريخ الأسود لجماعة الاخوان الإرهابية وكيفية وصولها إلى الحكم، وما ارتكبته من أخطاء خلال السنة السواد التى حكمت فيها، والقدرية فى اختيار السيسى وزيراً للدفاع، وثورة الشعب فى 30 يونيو كأعظم تعبير عن آراء الشعب يفوق الإدلاء بصوته فى الصناديق الانتخابية، وكيف حمى الجيش شعبة وانحاز إليه منذ 28 يناير، وكيف تم اختيار الرئيس السيسى، وما واجهته مصر من إرهاب بشكل مفصل؟