السوق العربية المشتركة | «السوق العربية» تفتح الملف الشائك

السوق العربية المشتركة

الأحد 17 نوفمبر 2024 - 20:34
رئيس مجلس الإدارة
أمانى الموجى
رئيس التحرير
أشرف أبوطالب

«السوق العربية» تفتح الملف الشائك

محرر السوق العربية يتحدث مع المسئولين
محرر السوق العربية يتحدث مع المسئولين

مسلسل ضحايا عقارات الموت.. متى ينتهى؟!

بين إهمال مستمر وفساد مستفحل تجد المخاطر تحيك بنا من جميع الجهات بداية من حوادث الطرق والقطارات مروراً بإهمال المستشفيات والقطاع الصحى نهاية بانهيار عقارات الموت التى لا تكاد تمر فترة وجيزة من الزمن حتى نشاهد أو نسمع عن سقوط عقار وانهيار الآخر، كل هذا أمام إهمال المسئولين وتراخى الجهات الرقابية الذين لا يحرك لهم ساكن إلا بوقوع الحدث، وكأن دور الجهات والمؤسسات فى مصر لا يُفعل إلا بعد حدوث الكوارث، فنجد على الفور تحركات الحماية المدنية لرفع الأنقاض وانتشال الجثث وتقارير الإدارات الهندسية التى تفيد بأن العقار مخالف وصادر بشأنه قرار إزالة وأخيراًَ انتقال المحافظ للواقعة وتصريحاته بعمل اللازم وصرف التعويضات، دون أدنى حراك مسبق لمنع تكرار هذه المصائب، وكأن هذا المسلسل البغيض لا يريد أن ينتهى بل يستمر عرضه من حين إلى آخر ليضيف ويزيد من عدد الضحايا.



وتشير الأرقام الصادرة عن مركز بحوث الإسكان والبناء التابع لوزارة الإسكان بأن نسبة مخالفات المبانى فى مصر بلغت 90% من إجمالى العقارات الموجودة، وأن أكثر من ثلاثة ملايين مبنى آيل للسقوط بالإضافة لأكثر من 220 ألف قرار تنكيس وإزالة لم يتم تنفيذها بسبب فساد الإدارات الهندسية بالمحليات، وأن 50% من الإنشاءات العقارية تفتقر لأعمال الصيانة سواء كانت بشكل كلى أو جزئى، والعجيب أنه لا توجد جهة بمصر حتى الآن تعطى تقارير مفصلة عن مدى حجم الخسائر المتعلقة بالثروة العقارية.

وتكمن المشكلة بحسب آراء الخبراء فى الفساد المستشرى بالمحليات وتعاملات الرشوة والمحسوبية مع عدم تفعيل القوانين المنظمة لأعمال التشييد والبناء وانتهاء دور الإدارات الهندسية بإعطاء التراخيص فقط دون المتابعة الدائمة لأعمال البناء ومراقبة الضوابط والمعايير المطلوبة، فضلاً على طمع المقاولون وجشع أصحاب العمارات بالتلاعب فى الأساسات والإرتفاع بالأدوار المخالفة والزائدة.

(السوق العربية) ذهبت إلى الخبراء لمعرفة تفاصيل هذه المشكلة.

بداية يقول الدكتور محمد محمد رشوان أستاذ الهندسة المدنية بكلية الهندسة جامعة أسيوط أنه توجد مشاكل ومسببات عدة لانهيار العقارات فى مصر لكن من أهمها مخالفة قواعد البناء الصحيح وعدم الالتزام بالمواصفات الفنية والشروط الإنشائية عند البناء، بالإضافة للقصور فى التصميم الإنشائى بالمبنى، فعلى سبيل المثال وليس الحصر عند بدء الحفر لتنفيذ أساسات مُنشأ جديد بجوار مبنى قائم يجب مراعاة الدقة لسد جوانب الحفر لحماية المبنى القائم لكن مع عدم الخبرة الكافية وسوء أعمال التنفيذ ومن الممكن تصدع هذا المبنى أو انهياره، ويوجد العديد من المبانى والعقارات الصادر لها قرارات إزالة إما بسبب مخالفتها للقانون من حيث الارتفاعات الزائدة أو عدم الترخيص وخلافه أو عقارات قديمة متهالكة لا يتم لها أعمال الصيانة الدورية أو انتهاء عمرها الافتراضى، وهى الأكثر عرضة للانهيارات، والمشكلة الكبرى هى عدم تنفيذ هذه القرارات إما بسبب مُلاك العقارات أو بسبب الإهمال والفساد المنتشرين بالإدارات الهندسية والأحياء.

وتساءل الدكتور رشوان: لماذا تتقاعس الإدارات الهندسية عن عمل مرور دورى أشبه باليومى على الأحياء التابعة لها لمعرفة ما إذا كانت هناك مبانٍ جارٍ تنفيذها بمخالفة ما هو وارد بالترخيص أو معاينة العقارات المتهالكة من حيث احتياجات الصيانة أو العمر الافتراضى المنتهى.

وطالب باتخاذ قرارات فورية وحاسمة لوقف ومنع استمرار مخالفات البناء ومتابعة أعمال المبانى الجديدة ومدى مطابقتها للاشتراطات الفنية وتشكيل لجان هندسية من كليات الهندسة للمتابعة أيضاً والإشراف، وشدد على أن تكون تقارير تعلية المنشآت وتعديلها من جهات حكومية معلومة ومعتمدة مثل كليات الهندسة أو المركز القومى للبحوث وخلافه لتحرى الدقة ومصداقية هذه التقارير.

وأضاف الدكتور مجدى رضوان أستاذ العمارة بكلية الهندسة جامعة أسيوط أن أساس المشكلة هو انعدام الضمير لدى معظم المستثمرين المالكين لتلك العقارات بهدف التربح الطائل والزيادة فى العائد من مشروعاتهم، وهنا تبدأ المخالفة فى عمليات البناء وعدم الالتزام بالقواعد والمعايير والمتمثلة فى غش مواد البناء وزيادة عدد الأدوار مع عدم تطبيق المواصفات الهندسية المطلوبة، وأيضاً إغفال الدور الرقابى من قِبل الجهات المختصة وانعدام المتابعة بجانب تقاضى الرشاوى للتغاضى عن المخالفات والقصور فى تطبيق شروط التراخيص وعدم تنفيذ أوامر الإزالات.

وطالب أجهزة الدولة بعدم السماح للمنشآت المخالفة بإدخال المرافق الحيوية مثل مياه الشرب والصرف الصحى والكهرباء مع تطبيق مواد القانون والعقوبات على المخالفين.

وأشار المهندس سليمان جلال (صاحب مكتب استشارى) إلى أن أهم مسببات انهيار العقارات فى مصر يرجع لسوء أو انعدام الصيانة التى من شأنها الحفاظ على الثروة العقارية فالأمر يستلزم اتخاذ قرارات وسن قوانين من شأنها إلزام أصحاب العقارات بعمل الصيانة ولو بدفع نسبة معينة تحدد (حسب ثمن الوحدة) يتم دفع هذه النسبة سنوياً لحساب الصيانة الدورية فمع عدم تطبيق القانون والالتزام بالشروط والمواصفات مثل الارتفاعات الموضوعة وشبكة الصرف الصحى والمناور وتوصيلات المياه وغيرها من الاشتراكات التى مع مرور الوقت وزيادة معدل الاستهلاك تتدهور وتبدأ العيوب الفنية فى الظهور ما يؤثر على المبنى وعلى سلامته بشكل عام، وهناك عوامل أخرى مؤثرة مثل البناء على مراحل خلال سنوات الأمر الذى يؤثر بالسلب على شبكة المرافق الخاصة بالعقار لأنه فى حالة إضافة أدوار جديدة يستلزم ذلك تغيير شبكة المرافق بالكامل ولا يجوز استكمالها لأن الشبكة القديمة أصبحت متهالكة مع مرور الوقت فكيف لها أن تتحمل ضغط استهلاك الأدوار الجديدة المضافة للمبنى، لكن كثيراً ما يتغافل المالك هذه النقاط ما يسبب انهيار العقار.

وأكمل قائلاً: يجب مع بداية الحصول على الرخصة وتقديم المالك الأوراق المطلوبة أن يكون من ضمنها عقد اتفاق مع مجموعة من شركات الصيانة للقيام بعمل الصيانة الدورية اللازمة للمبنى وتبدأ أعمالها فور الانتهاء من البناء وتكون هذه العقود من الشروط الرئيسية للحصول على الترخيص وتتم أعمال الصيانة بالشكل الكامل داخلياً وخارجياً مع المتابعة الدورية لشبكة المرافق الخاصة بالمبنى، وتكون هذه الشركات مسئولة أمام القانون والجهات المعنية فى حالة حدوث خلل بالمبنى نتيجة لسوء الصيانة بموجب عقد اتفاق المبرم مع المالك.

بينما يرى الدكتور يحيى عبدالعظيم أستاذ المنشآت الخرسانية ومحافظ سوهاج الأسبق أن أسباب انهيار العقارات فى العشوائيات والقرى ترجع فى الأساس إلى غياب الأسس الهندسية وعدم الإشراف الهندسى الكامل، موضحاً أن العديد من المقاولين غير مؤهلين للعمل بالشكل المطلوب وغير خاضعين لرقابة الدولة أى أن ليس لدى أغلبهم سجلات مقاولات.

وأكد أنه يجب زيادة المهندسين العاملين بالإدارات الهندسية لمراقبة أعمال البناء وتنفيذه بالشكل اللائق وعلى الوجه الأكمل وتفعيل دور نقابة المهندسين مع زيادة أجور المحليات.

موضحاً أن هناك العديد من المنازل تحتاج إلى عمليات إحلال وتجديد لكن فى ظل الظروف المعاشية الصعبة يصعب هذا الأمر ما يزيد من ارتفاع معدل انهيار العقارات بمصر.

وعن الشق القانونى يقول الدكتور ثروت عبدالعال أستاذ ورئيس قسم القانون العام بكلية الحقوق جامعة أسيوط إن المشرع فى مختلف القوانين المنظمة لأعمال البناء وضع تنظيماً متكاملاً لتراخيص المبانى بدءاً من الحصول على تراخيص البناء وصيانة العقار وترميمه وانتهاءً بالحصول على رخصة الهدم، وتضمن هذه التنظيمات مجموعة من الشروط تضمن سلامة المبنى من أى عيوب فنية قد تهدده بعد اكتماله، إلا أن الإهمال والتراخى فى التحقق من تواجد هذه الشروط هو الذى يسفر عنه ظاهرة انهيار العديد من المبانى التى تمت إقامتها سواء العقارات دون الحصول على تراخيص كما هو الحال فى أغلب العقارات التى انهارت أو بالمخالفة لبعض هذه الشروط، ويسأل فى ذلك من الدرجة الأولى الإدارات الهندسية سواء فيما يتعلق بالتحقق بعدم استيفاء المبنى لشروط ومواصفات الترخيص أو دون تنفيذ قرارات الإزالة الصادرة بشأن بعض المنشآت غير المرخصة أو الآيلة للسقوط.

واستطرد قائلاً: يجب تفعيل وتطبيق القوانين المنظمة لأعمال البناء والصيانة ومنع الاستثناءات والمصالحة مع المخالف ومصادرة المبانى المخالفة وصيانتها لصالح العشوائيات والطبقات المعدمة وتفعيل الدور الرقابى بالمحليات للمتابعة والتحقق من أعمال الإنشاء بالمواصفات المطلوبة وتشديد وتغليظ العقوبات على المخالفين لتصل إلى أقصى العقوبة فى حالة التسبب فى الوفيات بالإضافة إلى إنشاء محاكم خاصة للمبانى السكنية لسرعة الفصل الفورى فى القضايا والطعون بدلاً من انهيار العقار لطول فترة التقاضى والتزاعات.

وعن بعض الحلول المبدئية أكد الدكتور عبدالعال ضرورة تشكيل لجان هندسية لفحص مدى سلامة هذه العقارات المخالفة واستيفائها الشروط ففى حالة تقدير اللجنة إمكانية تعديلها وصيانتها فلا مانع من التصالح أما إذ ثبت أنها غير مطابقة ولا تصلح فلا يجوز التهاون وتزال فى الحال مهما تكلفت من أموال طائلة لأن سلامة وأرواح البشر أهم وأغلى من أى أموال.