
محمود علام
السعادة بلمسة زر!!!
أخيرا ... وبعد رحلة طويلة امتدت لخمسة عقود من الزمان اتخذت قراري ب"كف البحث" عن حقيقة كانت غائبة عن الأنظار فقد وجدت ما أبتغيه ماثلا أمام عيني ولايحتاج مني إلا لمسة زر على أحدث أجهزة العصر لأحصل بذلك على لقب صاحب السعادة وهو لقب يحمل معنى البهجة والفرح.
وبعد قراري أستطيع القول بأني سأدخل العام الجديد وقد تخلصت من أعباء البحث وجهد الرصد عندما كنت ، مع نهايات كل عام أغوص في عمق الذكريات الساكنة في أعماق الذهن مختزنة أفكارا ورؤى وأمنيات.
وفي هذه الأيام الفارقة بين عامين وقبل أن يوشك عامنا الحالي على بلوغ نهايته أستطيع أن أؤكد وبكل ثقة أني استقبل عاما جديدا مختلفا بعد أن تغيرت قاعدة البحث عن حق إلى تجربة الحصول عليه دون مشقة أو معاناة أو يأس .
وأدخل بكم إلى تفاصيل الحكاية وهي حكاية جديرة بأن تروى عن يومين من الأيام المشهودة في العمر يفصل بينهما نصف قرن من الزمان ، إذ كان أولهما في أكتوبر عام 1964 أما ثانيهما فتاريخه هو اكتوبر من هذا العام 2014.
في ذلك اليوم البعيد قبل خمسين عاما استوقفتني عبارة طالعتها في كتاب لم أعد أذكر عنوانه اليوم بحكم تقدم العمر لكن حروف وكلمات العبارة لا تزال طافية على سطح الذهن ، إنها عبارة موجزة كانت تصف أحد الدساتير في الغرب بأنه:" الدستور الوحيد الذي ينص على حق الأفراد في البحث عن السعادة".
نعم ، استوقفتني العبارة بسيطة الكلمات عميقة المعنى فألهمتني حالة من الشغف الفريد بذلك الكائن المسمى بالقانون إلى درجة جعلتني أعود إلى مقاعد الدراسة من جديد وهو ماتحقق بالفعل في ذلك اليوم البعيد
ولأن العبارة الموجزة كانت تؤكد على حق الأفراد في البحث عن السعادة فقد انطلقت باحثا عن معنى السعادة في حياة الشعوب ، في رحلة دامت خمسين عاما حتى أتاني الرد الأكيد في ذلك اليوم القريب الموافق الحادي عشر من شهر اكتوبر من العام 2014 ليدفعني إلى كف البحث عن معنى عبارة صاحبتني خمسين عاما دون أن تغيب يوما عن بالي !!
ففي ذلك اليوم من العام الحالي ...فعلها الفارس العربي النبيل الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حين أعلن عن تدشين "مؤشر السعادة" كأول مشروع على مستوى العالم لقياس رضا الناس من مواطنين ومقيمين ومستثمرين ومدى سعادتهم بالخدمات المقدمة لهم وبشكل فوري عبر نظام وشبكة ذكية في إمارة دبي .
وكم كان جميلا ورائعا قول حاكم إمارة دبي عند تدشينه المؤشر الأول من نوعه في المنطقة والعالم : «أطلقنا اليوم (مؤشر السعادة) لتكون دبي المدينة الأولى عالميًا، التي تقيس سعادة سكانها وزوارها وسياحها بشكل يومي تفاعلي" قبل أن تأتي عبارة الموحية والمؤثرة : "هدفنا سعادة وراحة الناس".
أما أسلوب إسعاد الناس عبر مؤشر السعادة فقد فسره صاحب المبادرة الأولى من نوعها في العالم بقوله «عند كل نقطة خدمة سيختار المواطن أو الزائر عبر شاشة تفاعلية وبلمسة واحدة مدى رضاه عن الخدمة، وستصلنا تقارير يومية بأداء جميع المراكز".
وهكذا يمكنني القول أن "كف البحث" قد انتهى في حياة الكهل الراصد إلا أنه لايزال في مرصده يتابع ويحلل مايجري حوله من أحداث ليلتقط منها العبر لأن ما توقف فعلا هو البحث عن مغزى عبارة لكن الذهن أصبح مشغولا بالتعرف على مواقع السعادة في كل شارع وحارة على امتداد وطن عربي تحتضن أقطاره من الخليج وحتى المحيط ملايين الشوارع وأضعافها من الحواري والزنقات.
ومن المدهش أن يقودني بحثي الجديد إلى حقيقة تشير إلى أن أقطار العروبة تحتضن عددا من الشوارع التي تحمل اسم السعادة وأن الإمارات لديها شارعان يحملان اسم السعادة احدهما في ابوظبي والاخر في دبي وكلاهما يحمل الفأل الحسن لمن صادفته تجربة المرور العابر فيهما وحين سألت عن أصل التسمية وجذورها اكتشفت أن ذلك تقف خلفه أمنية تحققت بعد عقود من التنمية الشاملة وأصبحت رمزا لمرحلة وعنوانا لعصر يزهو بأن كل ماحوله أصبح سعيدا وباعتراف عالمي سجلته تقارير منظمة الأمم المتحدة على مدار ثلاث سنوات متتالية بداية من العام 2012 حتى العام الحالي كانت فيها دولة الإمارات العربية المتحدة في المركز الأول عربيا
وقد شهد العام الموشك على الرحيل صدور أمر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي (رعاه الله) بإطلاق اسم (السعادة) على شارع الخيل الأول الذي يبلغ طوله حوالي 7.5 كيلومترات، ويعتبر حلقة وصل بين شارع الشيخ راشد وشارع محمد بن راشد بوليفارد، في منطقة من أكثر المواقع حيوية حيث يضم المجلس التنفيذي لإمارة دبي ومركز دبي التجاري العالمي وبرج خليفة ودبي مول والفنادق والمرافق السياحية العالمية، وهي مرافق تسهم في تحقيق الرفاهية والسعادة للمواطنين والمقيمين والسياح في الإمارة .
كما توجد في المملكة الأردنية الهاشمية ثلاثة شوارع بمسمى السعادة أولها في عمان وثانيها في الزرقاء وثالثها في العقبة أما في مصر و تونس فيوجد شارعان يحملان ذات الاسم.
وعلى ذكر شارع السعادة في عمان فإن تسميته بهذا الاسم تعود إلى أنه يشكل ومنذ زمن قديم تجمعا للمحلات التجارية المتخصصة في بيع الملابس الخاصة بالأفراح والأعراس والمناسسبات السعيدة خلال عقدي العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي إلى درجة أن أطلق الناس عليه اسم «سوق السعادة». وهو بالمناسبة يجاور شارعا آخر اسمه "شارع الرضا" وهو معنى يقترن دائما بحالة السعادة.
وعلى إيقاع السعادة نتذكر ذلك الشارع الذي يحمل اسمها في مدينة العقبة الأردنية التي تلقت سلطتها الإدارية طلبا من المستثمرين باغلاق شارع السعادة في المنطقة الفندقية مساء يومي الخميس والجمعة حتى يتمكن السياح والزوار من قضاء سهرة ممتعة في الشارع الذي يستقطب الكثيرين في عطلات نهاية الأسبوع للاستمتاع بركوب العربات التي تجرها الخيول.
وبعد هذه الإطلالة يبقى الأمل أن تصبح كل شوارعنا العربية حاملة لاسم ومعنى ومضمون السعادة وأن يصبح لدينا الملايين من أصحاب السعادة بلمسة زر تقتدي فيها كافة البلدان بمبادرة مدينة عربية لها في ابتكار الأفكار ريادة.