السوق العربية المشتركة | " قوارب الموت "

فى قلب الصعيد بمركز البداري محافظة أسيوط لا تزال الأحلام تزرع في صدور الشباب كما تزرع سنابل القمح في الأرض ا

السوق العربية المشتركة

الأحد 3 أغسطس 2025 - 23:25
رئيس مجلس الإدارة
أمانى الموجى
نائب رئيس مجلس الإدارة
م. حاتم الجوهري
" قوارب الموت "

" قوارب الموت "

فى قلب الصعيد بمركز البداري محافظة أسيوط لا تزال الأحلام تُزرع في صدور الشباب كما تُزرع سنابل القمح في الأرض الطيبة.  



 

 

لكن ما أبشع أن يُقتلع الحلم قبل أن ينضج، وما أقسى أن يتحول الأمل إلى نعش ملفوف بعلم، أو إلى غياب لا تُعرف له جثة ولا قبر.

 

مركز البداري  أصبح شاهدًا على مآسي متكررة، حيث غادر عدد من شبابه الحياة وهم يطاردون بصيصًا من الأمل في الضفة الأخرى من البحر،هجرة غير شرعية، سماسرة بلا رحمة، وأسر لا تملك سوى الدموع والصمت... وصمت الدولة أشد فتكًا.

 

الشباب الذين خرجوا من بيوتهم في صمت، لم يفعلوا ذلك حبًا في الغربة، ولا رغبة في المجازفة، بل هربًا من واقع خنقهم.

 

خرجوا من بين جدران الفقر، ومقاهي البطالة، ومشاهد الإهمال التي تتكرر كل صباح، آملين أن يجدوا في المجهول حياة أفضل.

 

لكنهم – ويا للأسف – لم يصلوا، بل غرقوا في الطريق، كما غرقت أحلامهم في وطن لم يفسح لهم مكانًا واحدًا فيه.

الهجرة غير الشرعية لم تعد فقط مغامرة خطرة، بل أصبحت تجارة كاملة الأركان، لها سماسرة وأباطرة، يتحركون بين القرى والمراكز كأنهم فوق القانون.

 

يستغلون الفقر، ويقبضون الأموال... ثم يختفون، بينما تتكسر قوارب الصيد في عرض البحر.

 

هؤلاء ليسوا مجرد محرضين، بل مجرمون يُفترض أن يُلاحقوا، وتُعلن أسماؤهم، ويُحاسبوا بأقصى درجات القانون.

 

لكن أين الدولة؟ وأين الردع؟ وأين العدل لأمهات لم تبكِ أبناءها مرة واحدة، بل كل يوم منذ اختفوا في المجهول؟

الوجع في البداري لم يعد حالة فردية، بل أصبح ظاهرة جماعية ، الناس هنا لا تطالب إلا بالحياة، بالحماية، بفرصة حقيقية في بلدهم.

 

يريدون مشاريع تنموية، يريدون وظائف، يريدون أن يشعروا أن لهم مكانًا في خريطة الدولة... وأنهم ليسوا مجرد أرقام تُدفن في صمت، ثم تُنسى بعد العزاء.

 

الدولة اليوم أمام مفترق طرق:

 

إما أن تبدأ فعليًا في محاربة أسباب الهجرة غير الشرعية من جذورها، أو تواصل الصمت، وتترك جيلاً كاملًا يضيع بين الفقر والموت.

 

نحن نحتاج إلى قرار... إلى خطة واضحة... إلى رقابة حقيقية... إلى يد تحمي لا إلى يد تلوّح بالوداع.

 

البداري تستغيث، لا لأن أهلها ضعفاء، بل لأنهم صبروا كثيرًا، وخسروا كثيرًا، وانتظروا أكثر مما يجب.

 

وآن الأوان أن تجد صرختهم من يسمع، ودموعهم من يجففها، وأحلامهم من يحميها.

 

 

وفى الختام..

 

كفى موتًا في البحر... فالوطن أحق بأبنائه من الغربة.