كارثة الهبوط الأرضى تهدد قطاع التجارة والنقل بالمنيا
تعددت حوادث الهبوط الأرضى المفاجئ للطرق بمحافظة المنيا حتى أصبحت ظاهرة تهدد بشكل كارثى قطاع التجارة والنقل وتعطل الحركة الاقتصادية والانتقال بشكل عام، بما أوجب البحث لدى المتخصصين والخبراء عن الأسباب وإيجاد الحلول.
فى البداية يقول الدكتور عبدالوهاب الشعراوى، أستاذ الاقتصاد بجامعة المنيا: إن مشكلة الهبوط الأرضى متعددة الآثار السلبية، حيث إنها تسبب شللا تاما فى التنقل فى بعض المناطق بما يؤثر على النقل التجارى ونقل البضائع وكذلك العمالة المتنقلة والمواد الخام، إلى جانب موظفى الجهاز الحكومى والقطاع الخاص، أى أنه بشكل عام يمكن القول أن تعطيل طريق يعتبر شلل فى جميع المناحى تقتسمه الجهتين التى يربط الطريق بينهما.
ويؤكد الشعراوى، أن خسائر التجارة البينية سواء بين مراكز المنيا أو بين المنيا والمحافظات الأخرى أو بين محافظات أخرى تقع بينهما المنيا، قد وصلت إلى 23% فى العام 2014 عن الأعوام السابقة، أى ما يقرب إلى الربع، وهذه تعد كارثة اقتصادية كبيرة تؤثر سلباً على جميع مناحى الحياة.
ويقول الدكتور محمد جعفر أستاذ هندسة ميكانيكا التربة بكلية هندسة جامعة المنيا إن الانهيار الأرضى عبارة عن خلخلة فى القشرة السطحية ينتج عنه هبوط لسطح الأرض فى موقع ما نتيجة تغير خصائص التربة التحتية أسفل هذا الموقع.. وتحدث الانهيارات الأرضية عادة فى التربة الجافة التى تعلو منسوب المياه الأرضية وهى تختلف عن الانزلاقات الأرضية حيث الأخيرة مرتبطة بأعمال حفر أو تكوين ردم وتحدث نتيجة تجويف بالتربة التحتية أو التربة الهشة، كما أن الهبوط الأرضى يحدث نتيجة تغير خصائص التربة التحتية من خلال مؤثرات أسفل سطح الأرض وذلك بالترطيب نتيجة وجود رشح أو كسر فى أحد مواسير شبكة مياه الشرب أو الصرف الصحى وكذلك تسرب مياه الأمطار أو نتيجة للأحمال الترددية على سطح الأرض مثل أحمال السيارات والمقطورات، وأوضح أنه يمكن الكشف على أماكن هذه التجاويف باستخدام الأجهزة الجيوفيزيقية.. مشيرا إلى أن تأثير هذه الانهيارات يتلاشى مع المنشآت باتباع ضوابط محددة فى التقييم والتنفيذ.
فيما يرى الدكتور حسن قطب، أستاذ الجيولوجيا بكلية العلوم جامعة المنيا أن حدوث الانهيارات الأخيرة التى تكررت فى العديد من مراكز محافظة المنيا، يرجع إلى طبيعة الصخور الجيرية التى تشكل معظم التربة فى مناطق الطرق الصحراوية وكثرة ما بها من شقوق وفواصل إلى ترسب المياه سواء كان مصدرها الأمطار أو شبكات الصرف الصحى أو مياه الشرب فيحدث لها ذوبان تدريجى وتآكل فى التربة واضعافها ثم حدوث الانهيار أو الهبوط.. أما التربة الطينية، مثل الهبوط الأرضى المتكرر على طرق المنيا الزراعية خاصة فى مركز بنى مزار وآخرها هبوط منطقة صندفا، فإن التربة الطينية يحدث لها انتفاخ من أسفل إلى أعلى ما يؤدى إلى ميل المبنى القائم فوقها أو يحدث له انهيار إذا كانت منطقة بها مبانٍ، أما فى حالة المنيا فغالبا ما يسبب تخريب الطريق وتعطيل المرور فيه.
ويفجر الدكتور قطب، مفاجأة تستدعى التدخل السريع من أجهزة الدولة لاحتوائها قبل أن تقع الكارثة، حيث يؤكد أن منطقة الطرق الزراعية البينية بمركزى بنى مزار وسمالوط، مهددة بحدوث كارثة خلال السنوات القليلة القادمة بسبب ارتفاع منسوب المياه الجوفية بها.. موضحا أن جميع المناطق المتاخمة للطرق بالمنطقة، كانت تتخلص من الصرف الصحى لديها حتى فترة قريبة فى بيارات يتم حفرها داخل سطح الأرض لهذا الغرض قبل إنشاء شبكة صرف صحى بالمنطقة.
ويضيف أن هذه المياه الجوفية مازالت متراكمة فى التربة وقد تؤدى إلى حدوث هبوط وانهيارات أرضية.. ومن الخطأ استخدام نفس الردم الناتج من أى عمليات حفر فى تغطية المواسير ودفنها وهو ما يفعله مقاولو تطوير الطرق.. حيث ستؤدى مياه الأمطار التى تتسرب إلى المواسير والذبذبات الناتجة عن الأحمال الزائدة فوقها إلى حدوث خلخلة التربة ومن ثم حدوث الهبوط الأرضى ما يستوجب عمل حماية للمواسير قبل دفنها.. منوها إلى أن الأحمال الزائدة كانت السبب فى الانهيارات المستمرة التى يتعرض لها بعض الطرق، حيث شهد عدة انهيارات متتالية خلال السنوات الماضية.
كما يؤكد كبير مهندسى الإدارة المحلية ببنى مزار، محمد الشناوى، أن السبب الرئيسى فى حدوث الهبوط هو تهالك شبكات مياه الشرب والصرف الصحى منوها إلى إمكانية حدوث انهيارات أرضية جديدة بسبب وجود العديد من الفراغات فى التربة التى أقيم عليها الطرق.. وطالب بضرورة وجود تنسيق بين مديرية الطرق والعلماء والجيولوجيين لعمل لجان دورية لمسح الأماكن المهددة بحدوث انهيارات مستقبلية تمثل تكلفة إصلاحها وتعويض المتضررين أعباء مالية كبيرة تفوق تكلفة الكشف عنها.
ويوضح الدكتور محمد صبحى أستاذ الجيولوجيا بجامعة المنيا، أن معظم الطرق بمحافظة المنيا، كلها مبنية على طمى النيل وهذا الطمى كان مستقرا منذ مئات السنين ولم تكن هناك مشكلة، لكن بدأت المشكلات لعدة أسباب أهمها العامل البشرى حيث ارتفع مستوى الماء الجوفى عن السنوات الماضية نتيجة للتسرب من شبكات الصرف الصحى وتشبع التربة بالمياه ما جعل الطمى مثل العجين يرحل من منطقة إلى أخرى.
وزاد من حدة المشكلة فى السنوات الأخيرة الإنشاءات الهندسية الضخمة التى تتم تحت التربة كمشروعات الصرف الصحى الكبرى التى تتم فيها عمليات حفر فى الأعماق دون اعتبار لقدرة التربة على التحمل بما يؤدى إلى إحداث نوع من الخلل داخلها.
ويتوقع صبحى، أن يكون من ضمن أسباب المشكلة فى الطرق الصحراوية الشرقية ببنى مزار ومطاى وسمالوط ومعظم مراكز المنيا، هو وجود منطقة أثرية أو مقابر قديمة أسفلها، ويؤيد ذلك بنتائج الجسات “الرادارية” التى تمت من دون حفر والتى اكتشفت وجود فجوات ربما تكون مقابر أو منطقة أثرية قديمة لذا يوصى بضرورة عمل دراسات أعمق بالاعتماد على “الجسات” الرادارية بدلا من الاعتماد على جسات الحفر فقط التى تتم فى المشروعات التى تجرى فى هذه المنطقة، حتى يتم مراعاة تعادل الثقل فى التربة مع الفراغات أسفلها حتى لا تحدث الانهيارات الأرضية التى تدمر الطرق، وأوضح أن المشكلة فى هذه المناطق انجراف التربة المشبعة بالماء بسبب وجود مياه جوفية أو تسربت من الصرف الصحي, لذا يقترح أن تستعين المشروعات الكبرى مثل شبكات الصرف الصحى بأجهزة ثلاثية الأبعاء لرصد وتتبع الهزات الأرضية للتنبؤ المبكر لحدوث أى انهيار أو سقوط أرضى، خاصة فى حال مرورها فى مناطق الطرق البينية.
أما الدكتور ثابت الزاوى، أستاذ ميكانيكا التربة بهندسة المنيا، فيرى أن أى تربة يتم الرصف أو البناء عليها توجد بها فراغات وهذه هى طبيعة الأرض التى تتكون من حبيبات ومياه وهواء وقد تمتلئ فراغات الهواء بالمياه وتسمى بذلك “التربة المشبعة” لكن على العكس إذا كانت لا يوجد بها أى مياه أو هواء فهى تربة جافة مثل الطرق الصحراوية وهناك نوع ثالث من التربة نصفه مملوء والآخر به فراغ مثل المناطق التى يحدث بها هبوط أرضى بطرق المنيا والتى تكثر بها مناطق الردم وارتفاع منسوب الأرض التى توجد فيها عدة مستويات لأنها ردمت عدة مرات بطريقة عشوائية ولهذا فإنها تهبط فجأة بطريقة مفزعة فوق الطبقات الأرضية السليمة سواء كانت تربة طبيعية أو رملية حيث يوجد لها قدرة تحمل للضغوط وترتكز على الخوازيق المعمارية وهناك نوع من الحقن يصلح للتربة السليمة لكن الحقن لا يستخدم لأن فراغات الردم كبيرة والحقن عبارة عن مونة أسمنتية ومادة للحام وتدخل إلى الرمل وتعطينا تربة محسنة لأن الحقن ينجح ما دامت الارض تقبله فإذا لم يصلح الهبوط نبدأ إحلالاً بتربة سليمة مكان الفراغات الموجودة وندمجها معا وأحسن الأنواع هو التربة الرملية المخلوطة بمادة الاسمنت لتصبح أكثر صلابة، لأنه فى الأصل يسمح تكوين التربة الأرضية بحدوث التمدد أو الهبوط ويرجع السبب إلى حدوث حركة مفاجئة للأرض زائدة مع وجود فراغات بها كما توجد خلخلة فى القشرة السطحية ينتج عنه هبوط أرضى فى مستوى منخفض عن المستوى السطحى أو الطبيعى فى الارض مع أعمال الحفر التى تحدث ولا تتحملها الارض.
وتجنبا لهذه المخاطر يرى الدكتور أمجد المنياوى، أستاذ الطرق بهندسة المنيا، ضرورة الالتزام بعدة مقترحات من أهمها وضع خرائط يحدد عليها أماكن الهبوط الأرضى التى تشكل خطرا على حياة المواطنين مستخدمى الطرق والتى يمكن تحديدها من خلال جهاز “الرادار الأرضى” حيث يمكنه مسح المناطق ذات الخطورة والأماكن المهددة بالانهيار والتى يمكن للجهاز الكشف عنها.. وكذلك عمل دراسات لطبقات التربة للتعرف على مدى تحملها للأحمال والضغوط الناتجة عن البناء والمنشآت ليتم اتباع المواصفات والضوابط التى تناسب طبيعة التربة قبل الشروع فى أى بناء وتغيير شبكات المياه والصرف الصحى المتهالكة والتى يمكن أن تتسبب فى تسربات للمياه تؤدى فيما بعد إلى حدوث انهيارات أرضية، قد تؤدى إلى خسائر بشرية إلى جانب الكوارث الاقتصادية، فهل من مجيب؟!