السوق العربية المشتركة | مفتى الديار المصرية الدكتور شوقى علام يختص “السوق العربية المشتركة” بحوار شامل

السوق العربية المشتركة

الإثنين 23 سبتمبر 2024 - 23:24
رئيس مجلس الإدارة
أمانى الموجى
رئيس التحرير
أشرف أبوطالب

مفتى الديار المصرية الدكتور شوقى علام يختص “السوق العربية المشتركة” بحوار شامل

الدكتور شوقى علام يتحدث إلى السوق العربية
الدكتور شوقى علام يتحدث إلى السوق العربية

صحيح «البخارى» أصدق الكتب بعد القرآن.. والانتحار لا يخرج صاحبه عن الملة.. وهذه استراتيجيتى لمحاربة ظاهرة الإلحاد



فوضى الفتاوى والتشكيك يسيطران على الساحة الدينية

لم يكن من السهل أن ننتزع منه تصريحا أو تعليقا، ولكن حالة التشكيك الدينى التى تسيطر على العوام كانت سببا فى خروجه عن صمته ليختص “السوق العربية المشتركة” بحوار يدافع من خلاله وبقوة عن الدين الإسلامى المعتدل.. ويوضح أن الفهم المغلوط للدين وكتب التراث هو السبب فى ظهور حركات العنف والتطرف والإرهاب، وانتشار الإلحاد بين فئات المجتمع.

فضيلة مفتى الديار المصرية، الدكتور شوقى علام، انطلق من تناول وسائل الإعلام لكتب التراث الإسلامى، مؤكدا أن التشكيك فى صحيحها يعد تشكيكًا فى سنة الرسول عليه الصلاة والسلام، وصحابته الـ”عدول”، ويزعزع الثقة فى ثوابت الإسلام، ويصب فى مصلحة جماعات العنف والإرهابى، واضعا الاستراتيجية المثلى لتجديد الخطاب الدينى التى تعتمد على عدم الغياب عن الدين، وعدم الغياب عن الواقع العصرى فى ذات الوقت، ودار الحوار على النحو التالى.

التناول الصحيح لكتب التراث الإسلامى

كيف تقيم دار الإفتاء المصرية خطاب التشكيك الذى طال الكثير من كتب “التراث الإسلامى” مؤخرا؟

يجب- أولا وقبل كل شىء- أن نؤكد أن خطاب التشكيك فى التراث الفقهى الإسلامى هو خطاب مختل، لا بد من وقفة حازمة لمواجهته، وهو خطاب يصدر عن جهل بمصطلحات هذا التراث ومفاتيح فهمه، والثابت والمتغير فيه، أو القطعى والظنى، وأحكام الزمان والمكان، والظروف والأشخاص، وغيره مما يعرفه العلماء، وبينته كتب العلم ومراجعه.

هل تحتاج كتب التراث كل هذا لفهمها؟

بالتأكيد، ففهم التراث الإسلامى أمر شاق لابد له من أدوات للفهم وآليات للتعامل، وينبغى أن نعى جيدًا الفرق بين الأصلين المنزهين (الكتاب والسنة)، وبين سائر التراث الذى اجتهد فى إنتاجه المسلمون من علوم وفكر وفقه وفتاوى ورؤى وواقع تاريخى.

بماذا ينصح فضيلة المفتى المسلمين فى هذا الشأن؟

ينبغى على قارئ التراث أن يدرك النموذج المعرفى الإسلامى ومكوناته، ويتعرف على العقلية التراثية وعناصرها، ويدرك عناصر الرؤية للعالم الخارجى عند الكاتبين للتراث الإسلامى، بالإضافة إلى الأداة اللغوية التى بدونها لا يمكن أن نفهم النص التراثى.

من هنا.. كيف تقيم الدار تناول وسائل الإعلام لـكتب “التراث الإسلامى”؟

للأسف، نجد الكثير من وسائل الإعلام تسعى وراء الإثارة والموضوعات التى تسبب البلبلة والشقاق بين الناس، واستضافة شخصيات غير مؤهلة للحديث عن أمور تتعلق بالشريعة والتراث الفقهى الإسلامى دون إلمام بهذا التراث ولا آليات فهمه واستيعابه، وبالتالى يكون المنتج الإعلامى منتجا مسيئا إلى التراث ويزيد من حالة التشكيك فى التراث والنيل من منتجه الفقهى.

ما الرسالة التى يمكن أن توجهها للقائمين على الإعلام؟

ادعو القائمين على وسائل الإعلام المختلفة إلى تغليب المصالح العليا للوطن، والسعى نحو إعلام الإنارة والبيان عبر إتاحة المجال أمام علماء الأزهر المعتبرين والمعبرين عن منهج الأزهر ورسالته العلمية والدينية، وهذا الأمر كفيل بأن يعيد التوازن إلى تلك القضايا ويقضى على الشبهات التى تثار من هنا وهناك ويقتات عليها كل طالب مال وشهرة.

تفسير غير المتخصصين
إذا كان بعض الأحاديث النبوية تحتاج لشرح معتدل يتسم بتعاليم الإسلام الوسطى.. كيف ترى تفسير غير المتخصصين ممن لا ينتمون إلى الأزهر الشريف لبعض الأحاديث؟

تعانى الساحة الدينية اليوم من فوضى فى الخطاب الدينى، وفوضى فى الفتاوى، نظرًا لتصدر غير المتخصصين وغير المؤهلين من هنا وهناك، ونتيجة لتلك الفوضى التى حدثت فى الفتاوى الدينية خصوصًا المنتشرة عبر الفضائيات والتى تصدر عن أناس غير مؤهلين للإفتاء من الأساس تنتشر الفتاوى الشاذة التى تتسبب فى حدوث بلبلة وتشكيك للناس فى أمور دينهم وتسطيح الفكر الدينى، ولا بد من قصر الأمر على المتخصصين من العلماء، وتأهيل العلماء للإفتاء من خلال المعايير التى ينبغى أن تتوافر فى من يتصدر لهذه المهمة العظيمة.

ما المطلوب تحديدا من طالبى العلم والفتوى؟

نحن نناشد الناس ألا يأخذوا أمور دينهم إلا من متخصصين، ولا يلتفتوا لتلك الآراء الغريبة إلا ما أقرته الجهات الدينية الرسمية كالإفتاء أو مجمع البحوث أو هيئة كبار العلماء، وعلى وجه الخصوص ما يتصل بالفتاوى الحساسة والمؤثرة فى المجتمع كما يسمى الآن بالشرعية والجهاد، والتى تكون سببا فى شيوع الفتنه وتعريض دماء وأرواح الناس للخطر.

من الممكن أن يفسر نص الحديث النبوى لأكثر من تفسير، من هنا.. هل ساهمت كتب “التراث الإسلامى” فى تشكيل وعى قادة العنف كـ “تنظيم القاعدة وداعش”.. الخ؟

بالطبع لا، فسبب التشدد وظهور حركات العنف هو الفهم المغلوط للدين وكتب التراث، وتأويل النصوص بغير ما تحمل، وعدم الإلمام بأدوات الفهم والاستيعاب، بالإضافة إلى الانعزال عن شئون الدنيا والاكتفاء بنصوص دينية تفهم على غير مقصدها، وهى أمور كلها تؤدى إلى الفكر المتشدد.

ما خصائص الفكر المتشدد أو المتطرف من وجهة نظركم؟

الفكر المتطرف له عدة خصائص، منها أنه فكر ينكر التفسير والمقاصد والمآلات والمصالح؛ أى أنه يريد أن يحول فهمه للنص إلى دين، ويتميز هذا الفكر بالتشدد الذى من السهل أن يتحول إلى عنف والذى بدوره يتحول إلى صدام، والصدام يتحول فى مرحلة لاحقة إلى فرض رأى بهذا العنف فيكون إرهابًا، كما أن من خصائص الفكر المتطرف سحب الماضى على الحاضر، فالواقع مرفوض عنده وهو لا يدرك مفرداته ويعمل على تغيير هذا الواقع بقناعته الشخصية الماضوية.

هل من هنا يأتى الصدام بين المسلمين؟

بالطبع، علاوة على أن هذا النوع من الفكر لا يهتم سوى بالظاهر لذلك تجد المنظومة الأخلاقية عنده باهتة جدا أو لا تكاد توجد، وهذا واضح على أصحاب هذا الفكر؛ لأن لديهم مشكلة فى تكوين الأسرة وتربية الأبناء ومشكلة مع الحياة ومشكلة مع الجمال، ويجب علينا أن تكون غايتنا جميعًا هى محاصرة هذه الأمور والقضاء عليها بالفكر والتربية وبالإعلام والتعامل السوى مع هذه الأفكار المتشددة والأفكار المتطرفة والأفكار الإرهابية بعد ذلك فى تطورها الطبيعى من بذرة إلى شجرة إلى ثمرة فى هذا المجال

اتهامات مناهج الأزهر بالتطرف
يتهم البعض مناهج الأزهر بجميع مراحل تعليمة بأنها تسعى إلى تخرج دفعات جديدة من الإرهابيين.. بماذا ترد على مثل هؤلاء؟

الأزهر منارة تذود عن الإسلام الصحيح، المتسم بالاعتدال والوسطية والتسامح، وله تاريخ ناصع فى الدفاع عن الأمة وحماية المقدسات، وفى احتضان الفكر الوسطى. وللأسف هناك أناس يأتون إلى الأزهر لكى يقال عنهم أنهم ينتمون إلى الأزهر ومنهجه وهو منهم براء، فهم من أصحاب المناهج والطرق المتشددة التى يرفضها الأزهر الشريف، وليس كل من يلبس عمامة الأزهر يٌعد أزهريا، إنما الأزهر فكر ومنهج وسطى ومنبر معتدل.

لكن يدلل البعض على ذلك بالأحاديث والفتاوى التى تتناولها كتب يتم تدريسها داخل الأزهر، مثل حديث سحر الرسول “صلى الله عليه وسلم” وفتوى قتل تارك صلاة الجمعة؟

إن الحديث عن بعض الأحاديث والهجوم عليها إنما يعود إلى قصور فى فهم هؤلاء وعدم إلمام بأدوات فهم النصوص وآليات الإلمام بها، والأزهر الشريف ودار الإفتاء المصرية تفتح أبوابها دائما لكل من لديه سؤال عن أحوال الدين والدنيا، ونرحب دائما بالمناقشات والحوارات التى تدور فى جو علمى بعيدًا عن الصخب والقيل والقال والجدال الذى لا يعود بالنفع على الناس.

وهناك فى كتب الفقه ما يرد على كل ما يصدر من هؤلاء من شبهات حول القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، إذا كانوا فعلا يرغبون فى العلم والمعرفة، أما من يثير تلك القضايا على شاشات التلفاز من حين لآخر وكأنها أمور جديدة، ولا يسعى للجهات المختصة بالإجابة عن تلك الأسئلة، فهو يسعى وراء الإثارة والتشويه والشهرة، وعلى الإعلام دور كبير فى أن يكون إعلام الإنارة لا الإثارة، وأن يفرد مساحة لعلماء الأزهر الشريف ومؤسساته المختلفة للتعبير عن صحيح الدين وتبصير الناس بشئون دينهم بعيدا عن الإفراط أو التفريط.

استمرارا لحالة التشكيك، هناك “تصريحات” أثارت جدلا واسعا فى الفترة الأخيرة منها إنكار عذاب القبر، كيف ترى مثل هذه الفتاوى ومردودها على المجتمع؟
التشكيك فى الدين موجة قديمة وليست جديدة، سواء إنكار عذاب القبر، برغم أنه من الثوابت، أو التشكيك فى صحيح “البخارى”، بل إن البعض يتخذها مهنة، لكنى أقول لهم هل أنتم مُدركون لأبعاد الشبهات وتفهمون ماذا تقولون؟
بماذا تشير بهذا السؤال يا فضيلة المفتى؟

أقصد أن الأزهر الشريف هو المؤهل بعلمائه للرد على ما أثير من قضايا فقهية وغيبية وليس أى شخص غير متخصص، وهذه الآراء والتقولات الغريبة تمثل حالة من الفوضى فى الخطاب الدينى، وهى لا تصدر من الأزهر أو علمائه الكبار ولم تصدر عن أى جهة رسمية من أعمدة المؤسسة الدينية المصرية، والإعلام مسئول مسئولية كاملة عن ترويج مثل هذه الأقوال والفتاوى الشاذة، التى تثير البلبلة لدى المسلمين والتى لا تعبر إلا عن رأى مطلقها، ويجب أن نشير هنا إلى أن البعض يخلط بين الرأى والفتوى ما يعتبر أيضًا مشكلة تضاف إلى المشكلات الأخرى، لكن على المسلم أن يلجأ إلى جهات الفتوى الرسمية المتمثلة فى دار الإفتاء والأزهر الشريف.

إذا.. هل استناد هؤلاء لبعض التفسيرات من كتب “التراث الإسلامى” تجعل فى طرحهم شيئا من الصواب؟

عالم الدين يؤسس فتواه ويبنى رأيه وفقًا للشرع ومصالح الناس لا على أى اعتبار آخر، ويعتمد فى خطاباته الدينية على منهج وطريق واضح محدد يتعلق بمصادره وطرق البحث وشروطه، يعى النصوص ويراعى الواقع ويمارس مهارة تكييف النص على الواقع، وهذا التكييف يتم عن طريق دراسة المصالح والمقاصد الشرعية ودراسة المآلات، ونحن فى دار الإفتاء نعمل على إعداد ملف علمى للرد على كل الشبهات المنتشرة فى كل الصحف والمواقع الإلكترونية مدعمة بأدلة وبراهين جديدة تدحض كل هذه الأقاويل وسننشرها فى الأسابيع القليلة القادمة بعون الله وتوفيقه.

كيف يمكن الرد على أزهرى يشكك فى أهم كتب “التراث الإسلامى”، وهو كتاب صحيح “البخارى”؟

أقول إن الإمام “البخارى” من أعلام الحديث الذين وضعوا ضوابط وقواعد تضبط الراوى والمروى، فجمعوا كل ما كان مسندا صحيحا غير معل ولا شاذ، ثابت النسبة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أجمع المتقدمون والمتأخرون بأن “البخارى” من أكثر الناس دراية بنقد الروايات والأحاديث، والمعرفة التامة بعلل الحديث وأحوال الرجال.

لكن هناك من يشكك فى صحيح “البخارى”؟

كتاب صحيح “البخارى” هو أصح كتب الحديث، ويعد أصدق الكتب بعد كتاب الله، وقد تعرض الإمام “البخارى” وصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، للتجنى وعدم الإنصاف فى الآونة الأخيرة، والقرآن الكريم يدعو المسلم للتفكر والتأمل بعيدًا عن التجنى.. فـ”البخارى” علم من أعلام الإسلام، وله رصيد وافر فى التاريخ الإسلامى والسنة النبوية، وقد جمع سنة النبى محمد صلى الله عليه وسلم بمعيار دقيق ومنهجية ولا تقبل التشكيك ولا التطاول عليه، وهو يحظى بقبول الأمة الإسلامية على مدى 1000 عام، لذلك أصبح صحيحة من الثوابت التى لا يجوز التشكيك فى مصداقيتها.

أوليس “البخارى” بشرا يصيب ويخطأ؟

بالطبع بشرا يخطأ ويصيب، لكن التشكيك فى أحاديثه التى صححها الإمام يعد تشكيكا فى سنة الرسول، وصحابة الرسول عليه الصلاة والسلام “عدول” ولا يمكن التشكيك فيهم ومنهم نستقى السنة النبوية، ولكنى أرى أن التشكيك فى مصداقية صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم فى هذا التوقيت يزعزع الثقة فى ثوابت الإسلام، ويصب فى مصلحة الجماعات الإرهابية.

تجديد الخطاب الدينى
أجمع أغلب رجال الدين على أن الخطاب الدينى بحاجه للتجديد، كيف تقييم دار الإفتاء الخطاب الدينى بشكل عام؟

هذه نقطة مهمة وهى تمثل أمورا كبيرة عندى فى المرحلة المقبلة، وبالفعل نقوم بعلاج الظاهرة فعلاً من خلال بيان الصورة الصحيحة التى ينبغى أن يكون عليها الخطاب الدينى الذى شابه الكثير من القصور فى الفترة الماضية، وبالفعل بدأنا فى وضع استراتيجية لعلاج الفوضى فى الخطاب الدينى، ومن مخرجات هذه الاستراتيجية مقال أسبوعى عن تجديد الخطاب الدينى نقدم من خلاله علاجًا لأوجه القصور فى هذا الخطاب، وكيفية الوصول بخطاب دينى يوحد ولا يشتت يقوم على أسس الوسطية الإسلامية.

كيف سيكون ذلك؟

سيكون هذا الأمر من خلال طريقتين: الأولى وهى الإسهام الفاعل فى بث مزيد من الوعى العام لدى جماهير الأمة بهذه القضية، والعمل على بيان المفاهيم والمصطلحات الخاصة به، لأن هذا بمثابة التحصين من الوقوع فى هذا الإشكال أو الفوضى، والطريقة الثانية تتمثل فى العمل الدءوب على تصحيح المفاهيم الفاسدة التى تعترى الخطاب الدينى والبعيدة عن روح الإسلام الوسطى الذى اتخذه الأزهر منهاجًا له، فالمؤسسة الأزهرية هى عنوان للوسطية الإسلامية التى تسع الجميع وتحتوى الجميع، وستظل بفضل الله عز وجل مرتكزًا لكل دعوات الخير، وقيادة لا أقول روحية فقط، وإنما قيادة فكرية قادرة على ضبط إيقاع المجتمع إذا ظهر فيه النشاز فى أى صورة من صوره.

ما الرسالة التى تود أن توصلها لمن يشكك فى صحيح الأثر الإسلامى؟

أقول إن الفقه يحتاج إلى شخص عالم فى الأصول، ويحتاج أيضا إلى شخص ماهر فيه، وصاحب ذهن قوى، ولا يحتاج إلى شخص يحفظ نصوصًا لا يفهمها ويرددها دون معرفة منه بها، أو من لا يعرف شيئًا عن واقع الحياة، هو لا يحتاج لكمبيوتر يحفظ، ولكنه يحتاج إلى ذهن عبقرى مبدع يربط بين الأشياء كلها ربطًا صحيحًا فيكون فى ذهنه مجموعة القواعد الفقهية التى توصل إليها الفقهاء وهى نحو خمسين قاعدة أساسية وخمس قواعد أمهات، ويكون فى ذهنه المبادئ القرآنية العامة وهى قرابة ثلاثين مبدأ، ويكون فى ذهنه أيضا علم المقاصد الشرعية، وفقه المآلات، وفقه المصالح والمفاسد، وهذا كله يكون شبكة مترابطة فى عقل الفقيه ويحقق له هدفين عظيمين هما: عدم الغياب عن الدين، وعدم الغياب عن العصر، وهذان الهدفان مهمان لكل مسلم بحسب درجته العلمية، وهذا هو التوازن الصعب على كثير من الفقهاء والمسلمين أيضًا، فبعضهم يغيب عن الدين، والبعض الآخر يغيب عن عصره.

إشكالية الانتحار
تطالعنا وسائل الإعلام المختلفة بأخبار عن الانتحار.. ماذا تقول لمن تراوده نفسه على ارتكاب ذلك الفعل؟

أقول إن الانتحار حرام شرعًا لما ثبت فى كتاب الله وسنة رسوله- صلى الله عليه وسلم- وإجماع المسلمين على حرمته؛ حيث وذكر المولى عز وجل فى كتابة الكريم: (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما).

لكن يرى البعض أن الانتحار أثناء الشدائد ليس حرامًا؟

لا يجوز الانتحار لتوقى الشرور كالاغتصاب أو التعذيب أو المهانة كالأسر، فلا يجوز للفتاة أن تنتحر خوفًا من تعرضها للاغتصاب بدعوى أنه أشرف لها من قبول الأسر والتعذيب والاغتصاب، وعليها مقاومة الغاصب حتى لو وصل الأمر إلى قتله، وإن قتلها، فهى شهيدة لموتها وهى تدافع عن عرضها.

إذا.. يبقى أن تطلعنا على مصير المنتحر يوم القيامة؟

لا يمكن القول من يدخل النار ومن يدخل الجنة، ولكن يمكن القول بأنه على الرغم من أن المنتحر وقع فى كبيرة من عظائم الذنوب وكبائرها، إلا أن ذلك لا يخرجه عن الملة ويظل على إسلامه، وتغسيل وتكفين ودفن المنتحر فى مقابر المسلمين فرض كفاية لأنه مسلم.

ظاهرة الإلحاد
أسباب انتشار الإلحاد، والجرأة فى الإفصاح عن معتقداتهم وأفكارهم المسمومة على الملأ؟

من وجهة نظرى، أرى أن ظاهرة الإلحاد من الظواهر المعقدة التى تتداخل فيها العوامل الفكرية والنفسية والاجتماعية؛ لذا فإن تحليلها والبحث فى أسبابها يحتاج إلى جهد كبير وبحث دقيق من مختصين فى الفكر والدين والفلسفة وعلم النفس والاجتماع، من هنا يمكن القول بأن سبب تزايد ظاهرة الإلحاد بين الشباب فى الدول الإسلامية، يكمن فى المتغيرات السياسية والاجتماعية الكبيرة التى تمر بها المنطقة، حيث ظهر ذلك بشكل واضح من خلال تشويه الجماعات الإرهابية التكفيرية لصورة الإسلام من خلال تطبيق مفهوم خاطئ له، وتقديم العنف والقتل وانتهاك حقوق الإنسان على أنها من تعاليمه ومبادئه.

تشير يا فضيلة المفتى إلى أن بعض المسلمين يساهمون فى ظهور للإلحاد؟

بالطبع، فمن أسباب انتشار ظاهرة الإلحاد الخطاب الدينى المتشدد الذى تصدره التيارات الإسلامىة المتزمتة التى تؤصل لأهم مشكلات التدين فى العصر الحاضر وهى إشكالية الصراع بين الجوهر الروحى والخلقى الذى يمثل حقيقة الإسلام وبين القشرة الشكلية الخارجية التى تصلح أمارة وعلامة فقط على أن هذا الإنسان ينتمى إلى ذلك الدين ويمارس تلك الشعائر؛ حيث إن هذه التيارات لا تعرف سوى التشبث بالأمور الشكلية التى قد تبعد الناس عن الدين.. كما أن دعوة الجماعات التكفيرية من خلال فهم مختل للولاء والبراء إلى كراهية الآخر لمجرد المخالفة فى الديانة، فيكون من الطبيعى أن ينفر من هذا الكثير من أصحاب القلوب الطيبة والمحبة للآخرين، لأنهم يجدون هذا الأمر صعبا على النفس ومناقضًا لما فطره الله فى قلوبهم من حب للآخرين الذين أحسنوا إليهم.

هل الإلحاد أنواع؟

إذا ابتعد الأشخاص عن الخالق، وعن ومبادئ دينه، فلا يكون لديهم مرجعية واحد؛ لذا فيختلفون فيما بينهم فى كل أمر، وقد رصدنا من خلال “مرصد فتاوى التكفير التابع للدار” عددا من الملحدين الشباب الذين جاهروا بإلحادهم، مؤكدين أنهم لا يعارضون الدين لكنهم يرفضون استخدامه كنظام سياسى، داعين إلى فصل الدين عن الدولة، وهذا يمثل فريق، فى حين رفض فريق آخر منهم الدين ككل، فيما ترك فريق ثالث الإسلام إلى ديانات أخرى ربما تكون وضعية.

كيف يمكن مواجهة الإلحاد فكرًا وسلوكًا وأشخاصًا؟

أقول دائمًا، إن التشدد الفكرى هو الأساس المعضلة، لذلك فإن من الضرورة أن نجعل المنهج الوسطى الذى يدعو إليه الأزهر الشريف ثقافة عامة تشيع فى مناهج التعليم والإعلام على حد سواء.. بالإضافة إلى إعداد برامج متخصصة تقوم على مناقشة الأفكار التى تطرأ على عقول الشباب مع احترام تلك الأفكار ومناقشتها بهدوء ورفق وطرحها للمناقشة والرد من قبل متخصصين من علماء الدين والاجتماع والنفس.

ما دور المؤسسات الدينية فى التصدى لهذه الظاهرة؟

الدور الرئيسى للمؤسسات الدينية المتمثلة فى الأزهر الشريف ودار الإفتاء ووزارة الأوقاف ضرورة التنسيق فيما بينها لبيان صحيح الدين، وتطوير وسائلها للوصول إلى قطاعات الشباب والتواصل معهم واحتوائهم وعدم تركهم فريسة لتلك الجماعات المتطرفة التى تخالف الشريعة الإسلامىة فى أهدافها ومعتقداتها، من خلال العناية بالرسوخ العلمى والخطاب العقلى الذى يناقش تفاصيل القضايا العقيدية والفكرية القديمة والمعاصرة.. كما أن تجديد الخطاب الدينى بات أمرًا حتمى ليتفاعل مع الواقع المعاصر بعيدًا عن نقل قصص وروايات مكذوبة لم تثبت ونشرها بين الناس مظنة أنها ستزيد فى إيمانهم على حين قد تكون النتيجة هى العكس.

بماذا تنصح عالم الدين فى مواجهته لمثل هؤلاء الأشخاص؟

يمكن أن ننصح عالم الدين بأن يضع عينًا على الشريعة وعينًا أخرى على الواقع، ذلك أن البعد عن الواقع والتمسك بالقشور التى لا تعد من جوهر الدين كان سببا فى نفور الشباب وابتعادهم عن صحيح الدين.