بمشاركة سلطنة عمان..القمة الخليجية الأوروبية تبحث سبل بناء علاقات استراتيجية جديدة
ناصر عبدالحفيظ
تشارك سلطنة عُمان غدا الأربعاء في أعمال القمّة المشتركة الأولى بين مجلس التعاون لدول الخليج العربية والاتحاد الأوروبي التي ستُعقد في العاصمة البلجيكية بروكسل. ويترأس وفد سلطنة عُمان في أعمال القمّة نيابةً عن حضرةِ صاحبِ الجلالةِ السُّلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظهُ اللهُ ورعاهُ - صاحبُ السُّمو السّيد أسعد بن طارق آل سعيد نائبُ رئيس الوزراء لشؤون العلاقات والتعاون الدّولي والممثلُ الخاصّ لجلالةِ السُّلطان. وسوف تبحث القمّة سبل تعزيز التعاون أمام التحديات العالميّة الرئيسة المشتركة والتعاون الاقتصادي، بما في ذلك التجارة والاستثمار والطاقة والاستدامة والمناخ وتعزيز الروابط بين الشعوب، بالإضافة إلى تسهيل التأشيرات، والتحدّيات الجيوسياسيّة المتعدّدة، خاصة تلك المتعلقة بمنطقة الشرق الأوسط والحرب في أوكرانيا. ويكتسب هذا الحدث أهمية كبرى باعتباره أول قمة بين المنظّمتين يحضرها رؤساء دول وحكومات من الجانبين؛ ما يجعلها تمثل قمة المستوى الاستراتيجي للتعاون بين الطرفين. ويأتي عقد القمة في وقت يعيش فيه العالم على صفيح ساخن مع استمرار الحرب التي يشنّها جيش الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة وتوسع دائرتها لتشمل لبنان بالإضافة إلى مُضي أكثر من عامين ونصف على الحرب الروسية الأوكرانية. كل هذه الأحداث تجعل من العمل الخليجي الأوروبي المشترك ذا أهمية قصوى لتعزيز الدبلوماسية والاستقرار والتفاوض على حلول للأزمات الحالية في المنطقة. وقال معالي جاسم محمد البديوي، الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية إن القمة الخليجية الأوروبية تأتي تتويجًا لعلاقة استراتيجيّة وتاريخيّة وشراكة بدأت منذ أكثر من ثلاثة عقود بين مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي، مشيرًا إلى أن هناك أرضية مشتركة تجمع الجانبين حيال العديد من القضايا والموضوعات الإقليمية والعالمية. ووضح معاليه لوكالة الأنباء العُمانية أن هناك مسارين لهذه القمة، يركز المسار الأول على العلاقات الثنائية الخليجية الأوروبية وتشمل عدة أوجه مثل مجالات التجارة والاستثمار والتعاون الأكاديمي وتفعيل التعاون في قطاعي الصحة والطاقة المتجددة وسبل تحرير تأشيرة الشنجن عن المواطن الخليجي والتي يدرك الجانب الأوروبي أهمية ذلك في دفع التعاون الثنائي نحو آفاقٍ أرحب. وأضاف أن المسار الثاني يتعلق بالقضايا الإقليمية والدولية وينتهج خلالها مجلس التعاون الخليجي سياسة واضحة وجليّة وترتكز على القانون الدولي وتشجع لغة الحوار والدبلوماسية وتخفيف التصعيد في المناطق التي تشهد اضطرابات ونزاعات. وفيما يتعلق بالجانب الاقتصادي، أكّد معالي الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية على أن القمة الخليجية الأوروبية تمثل حافزًا أساسيًّا نحو تفعيل أكبر للعلاقات التجارية والاستثمارية بين الجانبين، معربًا عن أمله في التوصّل إلى توافق مع الجانب الأوروبي حول السبل المثلى للمضي قُدمًا في العلاقات التجارية والاستثمارية المشتركة. من جانبها، أكدت سعادةُ رؤى بنت عيسى الزدجالية سفيرة سلطنة عُمان المعتمدة لدى مملكة بلجيكا ورئيسة البعثة لدى الاتحاد الأوروبي على أن القمة الخليجية الأوروبية تمثل محطة مهمة في مسار الشراكة الاستراتيجية بين دول مجلس التعاون ودول الاتحاد الأوروبي وتعكس التزام الجانبين بتعزيز العلاقات الثنائية في ظل التحديات الإقليمية والدولية المتزايدة، مشيرة إلى أن القمة ستعمل على توطيد الدور البارز لدول مجلس التعاون الخليجي بصفتها شريكًا دوليًّا مهمًّا في تعزيز الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي. ووضحت سعادتُها في تصريح لوكالة الأنباء العُمانية أن القمة سوف تتناول الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط والتطورات الإقليمية والدولية بالإضافة إلى مناقشة أوجه الشراكة في مجالات التجارة والاستثمار وسبل تعزيز التعاون في مجالات الطاقة والمناخ، مشيرة إلى أن هذه القمة تعكس حرص مجلس التعاون الخليجي على ترسيخ علاقاته الاستراتيجية مع مختلف الدول والتكتلات الإقليمية والعالمية. وبيّنت أن تعزيز المصالح المشتركة بين مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي يتطلب تطوير آليات فعّالة لتعزيز التعاون في مختلف القطاعات من خلال اتفاقية التجارة الحرة التي هي قيد التفاوض بين الجانبين، وتشجيع الاستثمارات المشتركة والتركيز على مجالات الطاقة المتجدّدة والذكاء الاصطناعي وتبادل الخبرات في المجالات التقنية والأكاديمية. من جانب آخر، عبر سعادةُ لويجي دي مايو الممثل الخاص للاتحاد الأوروبي لمنطقة الخليج عن شكره وامتنانه لسلطنة عُمان على استضافتها اجتماعات المجلس الوزاري الخليجي الأوروبي العام الماضي التي مهدت الطريق لهذه القمة التاريخية للمنطقتين حيث تعدّ هذه المرة الأولى التي يجتمع فيها قادة دول مجلس التعاون الخليجي مع قادة دول الاتحاد الأوروبي في منصة واحدة. وقال سعادتُه لوكالة الأنباء العُمانية أن القمة سوف تناقش آخر تطورات الأحداث في منطقة الشرق الأوسط ومستجدات الأزمة الأوكرانية، مؤكدًا على أن الهدف الرئيس للقمة هو الارتقاء بمستوى التعاون والشراكة الاستراتيجية بين الجانبين الخليجي والأوروبي. وأضاف أن القمة سوف تُركّز أيضًا على العديد من القضايا ذات الاهتمام المشترك في سياق الشراكة الاستراتيجية طويلة الأمد بين الجانبين أبرزها قضية المناخ، حيث تبذل الدول الخليجية والأوروبية جهودًا حثيثة في هذا الجانب. وتحدث سعادةُ الممثل الخاص للاتحاد الأوروبي لمنطقة الخليج عن مساعي الدول الخليجية والأوروبية لتفعيل التعاون في مجال الطاقة المتجددة، مشيرًا في هذا السياق إلى اتفاقيات التعاون التي وقّعت عليها بعض الدول الأوروبية مع سلطنة عُمان في مجال الطاقة النظيفة والهيدروجين الأخضر. وتستند العلاقات بين مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي إلى اتفاقية تعاون تم التوقيع عليها في عام 1989، وتؤسس لحوار منتظم حول التعاون بين الجانبين في العلاقات الاقتصادية وتغير المناخ والطاقة والبيئة والبحوث. كما أسست اتفاقية التعاون مجلسًا مشتركًا بين مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي على مستوى وزراء الخارجية يجتمع بانتظام. وخلال المجلس المشترك الذي عُقد في بروكسل في فبراير 2022، أقر وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي برنامجًا للتعاون المشترك للفترة من 2022-2027، والذي تم تحديثه في أكتوبر 2023. ويحدد البرنامج أنشطة مشتركة محددة وتعاونًا أعمق عبر العديد من القطاعات التي تشمل التجارة والاستثمار، وتغير المناخ، والتحول الأخضر، ومكافحة الإرهاب. وقد استضافت سلطنة عُمان في شهر أكتوبر من العام الماضي اجتماعات الدورة الـ 27 للمجلس الوزاري المشترك بين مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي، بمشاركة أكثر من ثلاثين وفدًا رسميًّا مثلوا دول الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون، إضافة إلى مفوضية الاتحاد الأوروبي والأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية. وقد أكّد الاجتماع على أهمية تعزيز العلاقات الاستراتيجية بين مجلس التعاون والاتحاد الأوروبي، إضافة إلى مناقشة قضايا الأمن والسلام. وتناول الاجتماع أيضًا الجهود المبذولة لتعزيز الشراكة بين دول الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون في مجالات التجارة والاستثمار والطاقة المتجدّدة والتغير المناخي والأمن السيبراني والهيدروجين الأخضر، وتبادل الخبرات والتعليم، وتعظيم الاستفادة من التقنيات المتنوعة والذكاء الاصطناعي، وتعزيز التنسيق المشترك بين الجانبين في مجال المساعدات الإنسانية. وتشهد العلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية بين مجلس التعاون لدول الخليج العربية والاتحاد الأوروبي نموًّا مطردًا، إضافةً إلى العلاقات الثنائية بين الدول التي تشكل هاتين المجموعتين الاقتصاديتين المهمّتين. وتعد أوروبا شريكًا تجاريًّا رئيسًا لدول الخليج، حيث تسهم صادرات النفط والغاز الخليجية بشكل كبير في تلبية احتياجات الطاقة الأوروبية. وفي المقابل، تستفيد دول الخليج من التكنولوجيا والخبرات الأوروبية في قطاعات البنية الأساسية، والتعليم، والتكنولوجيا المتقدمة. وبلغ حجم التبادل التجاري لدول مجلس التعاون مع الاتحاد الأوروبي نحو 204.3 مليار دولار أمريكي في عام 2022م، أي نحو 13.2% من إجمالي حجم التبادل التجاري السلعي لمجلس التعاون، بحسب البيانات الصادرة عن المركز الإحصائي لدول مجلس التعاون الخليجي. أما بالنسبة لقيمة الصادرات والواردات السلعية كلٍّ على حدة، فقد بلغت قيمة صادرات مجلس التعاون إلى الاتحاد الأوروبي نحو 106.3 مليار دولار أمريكي في عام 2022م مقابل واردات بنحو 98.0 مليار دولار، وبذلك بلغ الفائض التجاري نحو 8.3 مليار دولار. ومن أهم السلع المصدرة من مجلس التعاون إلى الاتحاد الأوروبي في عام 2022م يأتي في الصدارة الوقود والزيوت المعدنية بقيمة 77.3 مليار دولار أمريكي، أي نحو 72.7% من إجمالي الصادرات السلعية من مجلس التعاون إلى الاتحاد الأوروبي. ويأتي في صدارة السلع التي استوردها مجلس التعاون من الاتحاد الأوروبي الآلات والمعدات الآلية بقيمة 14.6 مليار دولار أمريكي، أي نحو 14.9% من إجمالي الواردات السلعية إلى مجلس التعاون من الاتحاد الأوروبي، تليها منتجات الصيدلة بنحو 9.8 %، والسيارات والعربات وأجزاؤها بنحو 9.0 %. وارتفع حجم الاستثمار الأجنبي المباشر للاتحاد الأوروبي في مجلس التعاون بشكل كبير منذ عام 2017م ليبلغ 233.6 مليار دولار أمريكي في عام 2022م، وفي حين كان يشكل نسبة 22.9 من إجمالي استثمارات العالم الخارجي في مجلس التعاون في عام 2010م، ارتفعت هذه النسبة لتبلغ نحو 40.8% في عام 2022م. كما ارتفع الاستثمار الأجنبي المباشر لمجلس التعاون في الاتحاد الأوروبي بشكل ملحوظ خلال العقد الماضي ليبلغ 177.8 مليار دولار أمريكي في عام 2022م. وفي تصريح لوكالة الأنباء العُمانية، أكدت السّيدة الدّكتورة جمانة بنت سعيد البوسعيدية مديرة دائرة شؤون مجلس التعاون بوزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار على متانة العلاقات التجارية والاقتصادية بين دول مجلس التعاون الخليجي ودول الاتحاد الأوروبي. وترى أن النمو المطرد للعلاقات التجارية يعكس إيمان الجانبين بأهمية تعزيز المجالات التجارية والاستثمارية خدمةً للمصالح المشتركة، في وقت تسعى فيه دول مجلس التعاون الخليجي إلى تنويع اقتصادها مع دول الاتحاد الأوروبي، وفي المقابل ترغب الدول الأوروبية في البحث عن نوافذ أوسع لقطاعات المرحلة القادمة منها على سبيل المثال مجالات الطاقة والتكنولوجيا. وقالت إن الدول لم تعد تعيش في عزلة عن العالم الخارجي، وهي منفتحة عليه بشكل متسارع في ظل تطور وسائل الاتصال المختلفة وفي ظلّ العولمة التي بات معها العالم عبارة عن قرية واحدة فالتأثر بما يحدث في الدول أمر محتوم، ومن هنا تأتي أهمية هذه القمة التي نأمل أن تصدر عنها قرارات تخدم جميع الدول وتضمن انسيابيه سلاسل التوريد وعدم انقطاعها الأمر. وأعربت عن تطلعها في أن تسهم القمة الخليجية الأوروبية المرتقبة بشكل واضح ومباشر في فتح قنوات جديدة لسبل التعاون التي من شأنها معالجة التحديات والصعوبات المشتركة من خلال أدوات التعاون الدولي، مثل توقيع اتفاقيات ومذكرات التفاهم أو من خلال حوكمة الإجراءات وتعزيز الحوافز لإيجاد مناخ استثماري مستقطب للفرص المشتركة. جديرٌ بالذكر أن الاتحاد الأوروبي قد تم إنشاؤه بشكل رسمي في شهر نوفمبر من عام 1993 وهو يشكل حاليًّا مجموعة من 27 دولة في القارة الأوروبية ويبلغ عدد سكانه 449.2 مليون نسمة ويتكلمون نحو 24 لغة مختلفة. ويضم الاتحاد الأوروبي مجموعة من أكبر الدول في العالم وأهمها اقتصاديًّا مثل ألمانيا وفرنسا وإيطاليا التي تعدّ من أكبر عشرة اقتصادات في العالم. وكمجموعة أوروبية، فهو يشكل ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية من حيث الناتج المحلي الإجمالي الذي بلغ نحو 18.3 تريليون دولار أمريكي في عام 2023م، أي 17.5% من حجم الاقتصاد العالمي.