كتب
محسن أبو عقيل
أكتوبر.. قصة لا تموت
09:35 م - السبت 5 أكتوبر 2024
تظل حرب أكتوبر عام 1973م واحدة من أهم المحطات في التاريخ المصري والعربي الحديث، ليس فقط لأنها أعادت للأمة العربية كرامتها التي تزعزعت في أعقاب نكسة 1967، بل لأنها حملت في طياتها دروساً لا تنتهي حول الإرادة والتخطيط، والتحالفات التي يمكن أن تصنع الفارق.
إنها قصة لا تموت، قصة محفورة في ذاكرة كل مصري وعربي تحمل أبعاداً تتجاوز حدود الانتصار العسكري إلى أبعاد نفسية وسياسية واجتماعية أثرت في وجدان الشعوب.
بعد هزيمة 1967، دخلت مصر والعالم العربي في حالة من الإحباط الشديد فقدت مصر سيناء، وفقد العالم العربي الأمل في استعادة الأراضي المحتلة ،لكن تحت هذا السطح اليائس كان هناك روح مقاومة متجذرة لدى الجيش المصري ،وبدأت القوات المسلحة المصرية في إعادة بناء نفسها من جديد ليس فقط على مستوى العتاد بل على مستوى الروح والمعنويات.
تجددت الثقة في القدرة على مواجهة العدو الإسرائيلي وبدأت القوات المسلحة المصرية تحت قيادة الرئيس البطل أنور السادات، في وضع خطط عسكرية طويلة المدى لإعداد جيش قوي يمكنه إستعادة الأرض ورد الكرامة.
أحد أبرز أسرار نجاح حرب أكتوبر كان التخطيط الدقيق والمتكامل، أدركت القيادة المصرية أن مواجهة إسرائيل تتطلب تغييرا جذريا في التكتيكات والأساليب العسكرية، و تم وضع خطة متقنة تقوم على فكرة المفاجأة والتخطيط المدروس.
وكان عبور القناة لحظة فارقة في الحرب، إذ أنهى أسطورة خط بارليف الذي كان يُعتبر لا يُقهر ،هذا النجاح لم يكن عسكرياً فقط، بل كان نفسياً ومعنوياً، حيث أثبتت مصر أنها قادرة على تخطي التحديات وتحقيق المستحيل.
وأظهر التضامن العربي أن الأمة العربية يمكنها أن توحد صفوفها عندما تتوفر الإرادة الحقيقية، كما أن هذا الدعم عزز الروح القومية العربية وجعل الشعوب تشعر بأن نصر أكتوبر هو نصر للجميع، وليس فقط لمصر.
أحد أهم جوانب نصر أكتوبر هو تأثيره السياسي الكبير على المنطقة والعالم، قبل الحرب كانت إسرائيل تتفوق بشكل كبير على العرب عسكرياً مما جعل الدول الكبرى تتعامل معها باعتبارها القوة الرئيسية التي يجب الحفاظ على مصالحها، لكن نصر أكتوبر غيّر هذه المعادلة تماماً.
أجبر النصر العسكري إسرائيل على الجلوس على طاولة المفاوضات، وأسفر في النهاية عن توقيع اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل عام 1978م، ورغم الانتقادات التي وجهت لهذه الاتفاقية، إلا أنها أظهرت أن النصر العسكري يمكن أن يكون بداية لحل سياسي شامل، إذا ما أُحسن استثماره.
إذا كان هناك درس واحد نتعلمه من نصر أكتوبر، فهو أن الإرادة والعزيمة قادرتان على تجاوز التحديات ، رغم التفوق العسكري الإسرائيلي في العتاد والتكنولوجيا، استطاع الجيش المصري أن يستعيد توازنه ويحقق نصرا مدويا.
كما أن نصر أكتوبر أظهر أهمية التضامن العربي والعمل المشترك، عندما توحد العرب، استطاعوا أن يفرضوا إرادتهم على القوى الكبرى وأن يغيروا موازين القوى في المنطقة ،هذا الدرس يبقى حاضراً حتى اليوم، ليذكرنا بأن التحديات التي تواجهها الأمة يمكن أن تُهزم إذا ما توفرت الوحدة والإرادة.
في هذا اليوم المجيد، نتذكر بطولات الجيش المصري وأبطال الأمة العربية، ونستمد من تلك اللحظات التاريخية الدروس التي تظل حية في وجداننا، مؤمنة بأن الكرامة لا تُستعاد إلا بالنضال، وأن العزة لا تتحقق إلا بالعمل الجاد والتخطيط المحكم.
وفي الختام نسأل الله أن يحفظ مصر وجيشها العظيم وشعبها الأبي وتحيا مصر..تحيا مصر..تحيا مصر.