النَفَس غالى
عندما كنا صغارا كنا نقرأ بالإرشادات المكتوبة على غلاف الكراسة ومن ضمنها " الصحة تاج على رؤوس الأصحاء " ، جملة مرت علينا مرور الكرام لم نكن نلق لها بالا حتى كبرت وفهمت أنها لم تكن مجرد جملة ، لم تكن مجرد حكمة ، يوميا يعيش الإنسان الطبيعى حياته وهو يتنفس ويأكل بشهية ، يشرب الماء بسهولة ، يمشى مسافات طويلة ويمكن أن يركض إذا أراد ، يدخل دورة المياه وحده دون مساعدة أو ألم أو معاناة ، ينام نوما عميقا لا يشعر بشئ حتى يستيقظ فى الصباح ليقضى يومه دون أن يدرى أن قدرته على العيش ككائن حى يتنفس ويأكل ويشرب ويتحرك وينام ويصحو ويلبى نداء الطبيعة نعمة كبيرة عظيمة لا تقدر بثمن .
المشكلة عزيزى القارئ أن الإنسان ليس فقط غافلا عن تلك النعم ولا يستوعب أهميتها إلا عند المرض بل المشكلة فى أنه أحيانا بيده يختار أن يقضى على هذه النعم ؛ فمثلا قدرة الإنسان على التنفس وأن يدخل رئتيه الهواء النقى الذى يمد جسده بالأكسجين نعمة عظيمة ثم يأتى الإنسان بكل جبروت ويدخن وبنفسه يسمح لمزاجه السيئ بتدمير رئتيه ، تستعبده علبة السجائر ، ينظر للتحذير المكتوب عليها من الشركة المصنعة " التدخين يدمر الرئتين ويسبب الوفاة " ، ثم يضحك من خفة ظل الشركة المصنعة التى تقدم له سبب التدمير وفى نفس الوقت تحذره وكأنها تسخر منه وتتحداه على أن لا يقاوم ثم يدخن ويسحق بقدميه النعمة ويفاجأ بعد ذلك بأن التنفس الذى كان يمارسه بسهولة دون تدخل منه أصبح صعبا للغاية ثم تضطرب باقى وظائف الجسد ، معروف أنه إذا تضرر عضو من الجسد تتأثر باقى الأعضاء ، فضرر الرئتين بداية يتبعها ضرر كل عضو يتأثر بنقص الأكسجين فى الدم وارتفاع أوكسيد الكربون ، ثم هل يتعظ الإنسان ؟ هل يتعظ البشر ؟؟.
فى مصر عدد المدخنين مرعب ولكن الدولة لم تقف مكتوفة الأيدى ، وبذلت ومازالت تبذل جهودا مضنية لوقف هذه الظاهرة ومحاولة علاج أضرارها من قبل وبعد ظهور فيروس الكورونا ، ولدينا فى مصر نماذج مشرفة للأطباء ومستشفيات ومراكز لمكافحة الأمراض الصدرية ، فمثلا لدينا د/ وجدى أمين مدير عام الأمراض الصدرية بوزارة الصحة والسكان ورئيس جمعية مكافحة التدخين والدرن وأمراض الصدر ، ساهم د. وجدى فى تطوير ١٤ مستشفى للأمراض الصدرية بنسبة تنفيذ وصلت ببعض المستشفيات إلى ٨٥% ، من أهم تصريحات د. وجدى أمين أن التدخين مرض ويسبب الإدمان ومن الآثار السيئة له انبعاث أول أوكسيد الكربون يرتبط بهيموجلوبين الدم أكثر من الأكسجين مما يقلل مستوى الأكسجين بالدم ، كما ساهم د.وجدى فى إنشاء ١٤ مركز وعيادة تقدم خدمات الإقلاع عن التدخين .
لدينا أيضا الأستاذ الدكتور / حسام حسنى أستاذ الأمراض الصدرية بجامعة القاهرة ورئيس اللجنة العلمية لمكافحة فيروس الكورونا بمجلس الوزراء ، والذى أدار بكفاءة واحترافية أزمة جائحة الكورونا ، جدير بالذكر أيضا أن أ.د / حسام حسنى هو أيضا الأمين العام للجنة العليا للتخصصات الطبية " الزمالة المصرية " بمقر أكاديمية الأميرة فاطمة للتعليم الطبى المهنى .
لدينا أيضا د/ محمد أمرالله مدير المركز القومى لأبحاث الحساسية والصدر بإمبابة التابع لأمانة المراكز الطبية المتخصصة ، المركز نفسه بموقع جغرافى رائع ويعد من أجمل الأماكن بإمبابة بشارع طلعت حرب على ناصيتين ويطل على النيل ، هو مبنى متخصص بأمراض الصدر ، كل العاملين به على قلب رجل واحد ، مبنى مجهز على أعلى مستوى ، يوجد به رعاية مركزة من أفضل ما يكون ، كان هذا المركز من أهم مستشفيات العزل فترة الكورونا ، ومديره د. محمد أمرالله من أفضل وأمهر الأطباء اللذين بذلوا مجهودات رائعة وملموسة فى مجال مكافحة الدرن ، قدم المركز تحت قيادته جهودا ملموسة لمساعدة المرضى خاصة خلال جائحة الكورونا ، سعى د. محمد أمرالله جاهدا حتى جهز وطور المركز حيث سعى لعمل نقطة شرطة بالمركز منذ أشهر لتأمين الأطباء والمرضى ، ومن ضمن إنجازاته أيضا تطوير القسم الداخلى للمركز وإضافة دور سادس يتم تجهيزه كاملا للعمليات الجراحية ، أيضا إضافة أجهزة أشعة جديدةوأجهزة أشعة مستقلة ، بالإضافة إلى تطوير وحدة مناظير الجهاز التنفسى وإضافة جهاز "Gene-expot" وجهاز الغازات بالدم ، وإنشاء عيادة صحة الرئة والإقلاع عن التدخين ، وإضافة أجهزة جديدة لقسم التعقيم وتطوير قسم الطوارئ ؛ بالإضافة لإختيار نائب مدير المركز د/ مصطفى شلش وهو على درجة عالية من الكفاءة ، وعلى المستوى الإنسانى إنسان يتمتع بمكارم الأخلاق والإحترام ، ومتواجد ومتواصل مع الحالات والعاملين بإستمرار مثل د. محمد أمرالله .
نماذج كلها مشرفة تؤكد لنا أن الطب فى مجال مكافحة الأمراض التنفسية أو أمراض الصدر بشكل عام مازال بخير ، بقى فقط التعاون من جانب أبناء مصر فى الإستجابة لتحذيرات الأطباء وإدراك أهمية الحفاظ على الصحة ، بسلوك مسلك صحى فى المعيشة بالتغذية السليمة ومحاولة تجنب التلوث بعدم التدخين ، ولا تنسى عزيزى القارئ أن الجميع مقر بخطورة التدخين وتسببه بتدمير الصحة ، حتى مصانع وشركات السجائر نفسها فلماذا لا ترحم رئتيك ؟!! ، ولا تنسى عزيزى القارئ أن الصحة تاج على الرأس و النَفَس غالى .