السوق العربية المشتركة | «10- السـلوك فى السـياسـة الزراعية»

السوق العربية المشتركة

الخميس 14 أغسطس 2025 - 05:10
رئيس مجلس الإدارة
أمانى الموجى
نائب رئيس مجلس الإدارة
م. حاتم الجوهري
«10- السـلوك فى السـياسـة الزراعية»

«10- السـلوك فى السـياسـة الزراعية»

قديماً قال عبد الناصر (لا حرية لشعب يـأكل من وراء البحر)، ورغم هذا فإن جمهوريات عبد الناصر والسادات ومبارك فشلت فشلاً زريعاً فى تحقيق الاكتفاء الذاتى الغذائى للشعب المصرى، والدليل على ذلك أننا حتى الآن نستورد أكـثر من 50% من استهلاكنا من القمح، ويرجع هذا الفشل بصفة أساسية لسوء التخطيط الزراعى وغياب الادارة التنفيذية الجادة الواعية وعدم وجود خطط شاملة جادة قابلة للتنفيذ لزيادة الرقعـة الزراعية وزيادة الانتاجيـة، وقد ترتب على هذا الفشل أننا نستهلك جزءاً من مواردنا من النقد الأجنبى لاستيراد جزاء كبير مـن طعامنا بدلا ًمـن استخدامه فى استيراد معـدات انتاجية.



وأرض مصر الطيبة معظمها قابلة للزراعة وتلك حقيقة منذ القدم، فالساحل الشمالى من الحدود الليبية حتى العريش كان مزروعاً فى القدم بالقمح، وقد قال لى أحد مؤرخى البربر- وهم شعب لـه قومية ولغـة يعيش فى جنوب دول شمال افريقيا (ليبيا– تونس- المغـرب)- أن أحــد ملـوك البربـر (سيشنق) غزت فى القدم الساحل الشمالى المصرى وكان مزروعاً بالقمح وعند عودتها حرقت تلك الزراعات. وفــى العهـــد الحــديث كـــان للمهنــدس/ المرحوم سيد مرعى وزير الزراعة الأسبق تجربة رائدة فى شمال الدلتا عشتها بنفسى، حيث يوجد منطقة شمال مركز بلقاس محافظة الدقهلية وتمتد غرباً معروفة تاريخيـاً (بالبرارى) ومعـروفـة حالياً بمنطة (حفيـر شهـاب الـدين)، وكانت تلك المنطقة غير صالحة للـزراعة ويطلقُ علـيها أرض (سبخة)، لأنها مالحة بسبب قربـهـا من البحر الأبيـض المتوسـط.

واتـخذ الوزير/ مرعى قراراً باستصلاح تلك المنطقة وزراعتها وتنميتها، وعهد بعمليات الاستصلاح والتجهيز للزراعة للمهندس/ الشحات يازيد رحمة الله عليه وهو من قريـة قريبـة لتلك المنطقة، وتم الاستصلاح والاعداد للزراعة، وتم فى البداية تمهيد الطرق وشق الترع والمساقى والمصارف وتخطيط أماكن لبناء القرى، وطرحت الدولة المنطقة للبيع للفلاحين فى القرى المجاورة بحـد أقصى خمسة أفـدنة للفلاح الواحد وبمـقـدم ثمن قـدره خـمسة جنيهـات لـلفـدان والبـاقى قـليـل يسـدده الفـلاح على أقساط مريـحـة، وأقـام الفـلاحون منازل بالطين فى الأماكن المحددة للقـرى، وجاهدوا فى زراعة الأرض المالحة وكان يتم ريها وصرفها باستمـرار لـمدة عام لنـزع الملـوحة منها، ثم بدأ الفلاحون فى زراعة الأرض بالأرز الذى يحتاج لمياه كثـيـفـة وكان الانتاج فى البداية ضـعيفـاً ثم بدأ فى الزيادة عام بعد عام، والآن هذه المنطقة تضم العديد من القرى بها مساكن جيدة ومدارس ومستشـفيـات وكافة الخدمات والطـرق إليها وبينـها مرصوفة، والانتاج الزراعى للفدان الواحد مثل أو يزيد عن انتاج أى فدان فى أى منطقة أخرى وكذلـك سعرة. هذه التجـربة تكشـف صلاحيـة معظـم أراض مصـر للـزراعة، وتكشف عن الارادة القوية وحسن التخطـيط وسـلامة التنـفيـذ الذى يزيد من رقعتنا الزراعية ويزيد من انتاجها.

فالاكتـفـاء الغذائى ليس مشكلـة ولا يحتاج لخبـراء أجانب، نـحن فى حاجة لخطـة تنمية زراعية شـاملة- ولدينا الارادة السياسية القوية- على أن تكون هذه الخطـة لمدة عشر سنوات فقط نصل فى نـهايتها للاكتفاء الذاتى من الغذاء. وهذه الخطـة تبدأ بحصر دقيق للأراضى القـابلة للزراعـة التى تتـوافـر لها المياه والقابلـة لانشـاء مجمعـات جديدة توفر لها الدولـة كافة الخدمات اللازمة.

وأتمنى أن يكون ثمن بيع تلك الأراضى للمصريين قليلاً بحيث يقتصر الثمن فقط على تكاليف المرافق أو جزء منها، حتى ينفق الفلاح ما لديه فى عمليات الزراعة، وأن تضطلع الجمعيات التعاونية الزراعية فى تلك المناطق بدور فعال فى دعم تنمية هذه الأراضى الجديدة. وعلى الدولة أن تخطط لرى الأراضى الجديدة بالتنقيط لأن طبيعـة الأراضى الصحراويـة لا يصلح معها الرى بالغمر، وهذه الطريقة من الرى توفر فى المياه والاسمدة وتزيد الانتاجية، وعلى الدولة أن تنشـئ مصانع لانتاج مستلـزمات الــرى بالتـنـقيـط لا تهدف لتحقيق الربح ويكون انتاجها بمواصفات دقيقة، لأن قلة تكلفة الاعتماد على الرى بالتنقيط سيشجع الفلاحين على استخدامه. أمـا زيادة الانتاجية وما تستلزمه من تحسين للتقاوى ورعـايـة الـزراعة فلدينا مركز البحوث الزراعية وبه علماء قادرون على القيام بهذه المهمة، وسبق لمركز البحوث الزراعيه أن ساهم فى ذلك بشكل ملحوظ فسبق ان عكف مديرة الأسبق الدكتور/ عبدالسلام جمعة علـى إجـراء تجـارب واستنبـاط تقــاوى قمـح غـزيـر الانتـاجـيـة ويصلح للزراعة فى الأراضى الصحراوية، ولذا اطلقوا على الدكـــتـور/ جمعــــة (أبوالقمح)، وقد تم إقصاؤه من مركز البحوث لخلاف بينه وبين وزير الزراعة بسبب اعلان الأخير عن انتاج القمح الجديد قبل انتهاء كافة الابحاث والتجارب عليه.

ويجب دعـم وتطـويـر جهـود مـركز البحـوث الـزراعية ليـساهم بفاعليـة أكبـر فى عمليات التنميـة الـزراعيـة.

وفشل مسئولى الزراعة فى توفير الاكتفاء الذاتى من الغذاء يستلزم نقلة نوعيـــة فــى التخطيط وفى التنفــيذ ولــــو اقتضـــى الأمر تغيير قيـــادات زراعيــة عـديـدة.

ويـجب أن نقلل من استيراد الاغذية بقدر ما يزيد من انتاجنا الزراعى، حتى نصل للاكتفاء الغذائى الزراعى بنهاية الخطة لنبدأ تنفيذ خطة طموحة للتصدير الزراعى.

لا كرامة لشعب لا ينتج طعامه، فهل نستعيد كرامتنا؟