السوق العربية المشتركة | الذات المنتمية والذات المغتربة (3)

عندما نجد أن أحدى أبشع العقوبات فى الشرائع وفى القوانين الوضعية وفى الأعراف هى إبعاد الإنسان عن أرضه وقومه, فك

السوق العربية المشتركة

الخميس 28 نوفمبر 2024 - 05:12
رئيس مجلس الإدارة
أمانى الموجى
رئيس التحرير
أشرف أبوطالب
الذات المنتمية والذات المغتربة (3)

الذات المنتمية والذات المغتربة (3)

عندما نجد أن أحدى أبشع العقوبات فى الشرائع وفى القوانين الوضعية وفى الأعراف هى إبعاد الإنسان عن أرضه وقومه, فكانت بعد عقوبة الجلد لغير المحصن نفيه عن أرضه عاما من الزمان, وكذلك عقوبة المفسد هى النفى من الأرض بعد عدد من العقوبات كما فى حد الحرابة, وكما فى فساد الأخلاق والتعدى على حرمات الآخرين جزاء الطرد كذلك كانت عقوبة المفسدين للمجتمع وأمنه واستقراره هى النفى خارج الوطن, حتى إن العقوبات الوضعية كالحبس جراء ارتكاب الجرائم المختلفة القصد منها عزل الجانى عن مجتمعه وناسه وأهله, وسلب كافة مظاهر التمتع بالمواطنة ومسالكها, وفى ذلك أيضا غربة ووحشة مقيتة للإنسان, وتلك عقوبات قسرية جبرية وأيضا هناك عقوبات إختيارية يعاقب بها الإنسان ذاته كمل فى حال استيلاءه على المال العام – وعدم تمكن القضاء منه- أو نهبه لحقوق الغير فلا يسعه إلا أن يخرج من أرضه مغبة العقاب جراء شنيع أفعاله ,وهناك من تضيق به السبل فى الرزق وكانت بداية قد ضاقت وانحسرت بصيرته فى إيجاد وخلق فرص قويمة وصحيحة فى إكتساب الأرزاق وتفتقفت بصيرته العمياء وقادته نفسه للهروب من أرضه إلى بحار المجهول نافيا ذاته إختياريا من وطنه وحياته ربما إلى الموت والفناء, وهناك من يرسلون أجنتهم وهى ما زالت فى بطون أمهاتها لتخرج إلى أرض النفى والوطن البديل إختياريا, وهناك من يجبرون أنفسهم على إعتزال الناس والحياة خوفا من مواجهة ظروفهم وهربا من تحمل المسئولية – أيا كانت – وتلك فى جميع أحوالها عزلة ونفى وطرد وإغتراب للإنسان عن وطنه وأهله, سواء كان قسرا نتيجة ارتكاب المعاصى والجرائم, أو اختيارا بسبب ضيق الأفق وعمى البصيرة وقلة الحيلة وعلل نفسية, نهاية اتفقت الأدبيات الانسانية نفسية واجتماعية بل وسياسية وتربوية على أن الاغتراب والعزل والنفى من المفردات التى تطيش بالأمل وتنحر الطموح وهما من أدوات بقاء الانسان وسعيه لخلوده, لذا خطط الحاقدون لتحقيق هدف استراتيجى رئيسى فى إغتراب المواطن داخل وطنه وبين أهله وقومه أو خارجه, وذلك من خلال آليات الإعلام الفاسد والدراما الخبيثة والكتابات السوداء والأراء الظلامية, بهدف انتشار الفساد وعموم المحسوبية وشيوع الرشوى وسيادة البلطجة وسواد الجهل, وغيرهم من الأهداف التكتيكية التى تحقق انتصارات متتالبية ومتوازية على النسق القيمى والسياق الأخلاقى والضمير العام والوعى الجمعى, سعيا لتحقيق هدف استراتيجى تالى وهو تشويه الشخصية الوطنية وهدم  ثوابتها وحلحلة ركائزها, ليسهل انقيادها تجاه العدمية إما بالغتراب الداخلى إو الخارجى, وبهذا تتحقق الاهداف العظمى من احتلال العقول وامتلاك الوجدان ووطىء النفوس, فلا يتبقى الا جسدا فارغا اجوفا لين وطائع يوجهه من يريد كيفما يريد!.



الجمهورية الجديدة تقتضى وجود انسانا جديدا لا القصد هنا انسانا ليس من غير هذه الأرض لكن مقتضى الحال يستوجب علينا جميعا ان ننتفض فى مواجهة المستورد من الثقافات الهدامة للانسان ونفسيته وعقله, وضد الثقافات الناسفة للمجتمع وتماسكه, لا هى دعوة للتقوقع والانحسار عن المد الحضارى بايجابياته لكنها وقفة لكل منا امام ضميره أولا يسأله :" هل ما انا عليه هو الصواب دينيا واخلاقيا تجاه نفسى وتجاه ابنائى وتجاه وطنى؟ " أو بسؤال آخر:" هل انا شريك فى بناء وطنى ومستقبل أولادى أم انا شريك فى هدم كل ذلك؟"  ان الاجابة ليست بمعضلة على أيا منا, فما أسهل ان يصدق الانسان مع ذاته, وما أقسى من أن يكذب الانسان على نفسه! لانه هنا سيكون إما إنسانا موجودا يسعى لانسانيته التى خلقه الله عليه ويملك زمام أمره فى حاضره ومستقبله, أو أن يجعل من نفسه كائنا غير الانسان يرضى لغيره أن يحدد حاضره مصائره ويجعل منه غائبا مغتربا عن ذاته وناسه ووطنه.

نعلم أو لا نريد ان نعلم , أن الإغتراب والنفى والهجر والعزل والطرد للنفس كما هو للجسد, وندرك تمام الادراك ان المستهدفين من الإغتراب هم ابنائنا بهدف ابعادهم عن أرضهم وتشتيت مستفبلهم, فماذا قدمنا نحن الآباء دفاعا عن أبنائنا؟, كما فعل الاباء الأقدمون لنا فى ترك أرث من التراب الوطنى الحر والهوية الوطنية الخالصة.

ومعلم – أيضا- أن الاغتراب يقود إلى عزل الانسان عن اسلحته القيمية ودفاعاته الاخلاقية فيكون طيعا فريسة لفرض اخلاق الآخرين والتأسى بها ويستيقظ الآباء على هجوم آخر على مستقبل ابنائهم وهو المرحلة الثانية من استهداف الشباب بعد الاغتراب كأن يحد الاباء مسالك الشذوذ متاحة ومباحة لدى ابنائهم , فما بعد الاغتراب عن اخلاقنا ومبادئنا الا الشذوذ!

ونستكمل فى القادم ان شاء الله عن معارك (الشذوذ) ونتحدث عن الذات القويمة والذات الشاذة, ولنبنى أركانا جديدة فى المصرى الجديد بعد اكتشافه لذاته وادراكه لامكاناته فى التغيير, وعلى الانسان ان يعيد تقيم ذاته ليرسم بيده ملامحه ليست الشكلية قط وانما الباطنة أيضا, ويعود كما كان اجداده الأصل واصحاب الفعل وليس الشبه والمفعول به!.