«9- السلـــوك الإعــــلامى»
يقال عن الإعلامى أنه السلطة الرابعة (سلطة تنوير ورقابة) إلى جانب سلطات الدولة الثلاث التشريعية والقضائية والتنفيذية، والمبدأ أن كل سلطة من هذه السلطات مستقلة عن الأخرى ولا تتدخل فى شئونها، ويقوم الإعلام بدور مهم فى خدمة الوطن والمواطنين فى حدود الأطر الدستورية والقانونية والمهنية.
وكون الإعلام سلطة رابعة يلقى عليه مهمة تنوير المجتمع ودعم وتطوير وعى المواطن والمساعدة فى دعم جهود التنمية والتطوير التى تقوم بها الدولة.
والإعلام يستطيع أن يساهم فى بناء الدولة ورقى المجتمع، ويمكنه أن يساهم فى هدمها وتقويض أركانها وإعاقة عمليات التنمية والبناء.
ونحن لا ننكر أن لدينا إعلاميين وصحفيين قيمة وقامة فى الإعلام المصرى والعربى، ويلتزمون المهنية الكاملة ويتحرون الدقة فى كل ما يعرضونه، ويلتزمون بخط مساعدة الدولة فى عمليات التنمية وخدمة المواطنين ولا نجد لدى أى منهم أية تجاوزات. والإعلامى الحق لا تجد فى مسيرة حياته أية شائبة أو حتى سقطة إعلامية وإن اختلف مع أحد فى الرأى يكون منحازاً لمصلحة الوطن وكشفه للأخطاء ومناقشتها يكون دائماً فى إطار من المهنية الراقية، ومعظم هؤلاء الإعلاميين القيمة والقامة ينتقدون أداء الإعلام السيئ الذى يصدر عن آخرين. ولو أردنا أن نحضر الشرفاء فى الإعلام فلن نستطيع لكثرتهم. ومن أمثلتهم أحمد موسى المنحاز عقلاً وقلباً بحده لمصلحة الوطن، وإبراهيم عيسى صاحب الفكر الراقى المناقش لقضايا الوطن بمهنية عالية، وأسامة كمال الجاذب للمشاهد بحسن التزامه ورقى ادائه وتعبيراته، وغيرهم كثيرون.
ومنذ ثورة الخامس والعشرين من يناير حتى الآن نعيش حالة من الفوضى الإعلامية الهدامة التى يمارسها الملوثون إعلامياً والمرتشون وأعداء الوطن الذين لا هم لهم سوى زيادة مرتباتهم ومكافآتهم ودخول القنوات الفضائية التى يعملون بها، وإذا رجعنا إلى تسجيلات برامج هؤلاء سنجد أهوالاً، فالبعض من الإعلاميين ساهم فى إسقاط الشرطة بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، وبعضهم أعان الإخوان للوصول إلى السلطة. ومن التجاوزات الإعلامية الواضحة ذلك الإعلامى الذى أصبح مريضاً نفسياً بعد مرضه الجسدى والذى استضاف جاهلاً مثله لينتقد بعض الإجراءات القضائية زاعماً أن ذلك جائز قانوناً، ويدعى أن آلاف المحبوسين احتياطياً هم معتقلون من قبل الشرطة، ولا يكلف هذا المذيع نفسه بالرد على الضيف الجاهل بأنه لا يوجد معتقل واحد فى مصر وأن الشرطة لا تملك قرار الحبس الاحتياطى الذى هو من عمل النيابة العامة. هذا المذيع الذى دأب على استضافة الجهلاء والمشككين لماذا تبقى عليه إدارة القناة التى يعمل بها حتى الآن بعد أن سقط من نظر المشاهدين؟
والمذيع إياه الغاوى شهرة وفرقعة إعلامية وغير المرحب به فى موطن مولده استضاف مؤخراً والد أحد المحبوسين احتياطياً وتركه يكيل الاتهامات الباطلة غير المقبولة عقلاً للشرطة، ولم يكلف ذلك المذيع نفسه ليوقف الاتهامات للشرطة أو الرد عليه أو استضافة أحد من الداخلية للرد أين الأمانة فى العرض وكفالة حق الرد لدى هذا المذيع الذى يدعى ثوريته؟
وحكاية إساءة البعض من الإعلاميين من وقت لآخر لعلاقة مصر مع بعض شقيقاتها الدول العربية أمر مؤسف يتكرر دائماً دون محاسبة أصحاب هذه الإساءات التى تضر كثيراً بمصر. وحتى الرد على إعلام أى دولة عند تناوله لشئون مصر ليس من عمل جميع وسائل الإعلام المصرية، هذا الرد يجب أن تتولاه الدولة نفسها إن هى رأت ضرورة لذلك، ويقوم بالرد هيئة الاستعلامات أو الرئاسة عن طريق بيان صحفى. وحكاية تناول بعض الأخبار السيئة عن بعض الدول العربية أمر مؤسف، إذ يجب ألا يذيع الإعلام المصرى شيئاً عن تلك الدول إلى ما تذيعه وسائل إعلامها، وإلا سنقبل من ذلك الإعلام تناول أخبار بلدنا حتى لو كانت غير صحيحة.
وبعض الإعلاميين إياهم يسيئون استخدم مقولة حق المواطن فى المعرفة وباسمها يرتكبون أبشع التجاوزات الإعلامية، وإعلامنـا يضم كتيبـه (دس السم فى العسل) فى برامجهم، والمشاهد يعى ويدرك حقيقة السم الذى تبثه هذه الكتيبة فى برامجها.
وحكاية شماعة الإفراج عن المحبوسين احتياطياً أو المحكوم عليهم بقرارات من النيابة العامة أو القضاء بمقوله أنهم نشطاء سياسيون حكاية سخيفة وتعتبر تدخــلاً فى أعمـــال القضــاء. مـتى يتعلمـون كيـف يتحـدثون عن القضاء؟ إن القضاء هو الذى أنصف المظلومين منهـــم حينمـــا قدمـــوا للمحاكمــة لا نطالبهم برد الجميل للقضاء فهو لا يشكر على عمله ولا يلام، فقط عليهم التزام أحكام القانون عند الحديث عن القضاء أو أحكامه أو إجراءاته.
وأسطوانة أنه لا يجب أن يكون فى قضايا النشر حبس وأنه يجب أن تقتصر العقوبة على الغرامة فقط أمر ممل وغير عادل على الإطلاق، فكيف بنهش إعلامى شرف أو عرض أو ذمة مواطن ويطالب بأن تكون العقوبة عن جريمته الغرامـــة فقط، إن مـال الدنيـا لا يعـوض أى مـواطــن مجنى عليـــه فى عرضـه أو ذمته أو سمعته، والإعلامى الملتزم لا يسىء لأحد ويتحرى الدقة والوصول للحقيقة قبل الإذاعة أو النشر ولذا لا يطالب بإلغاء الحبس فى جرائم النشر، وعقوبة الحبس هى التى تردع المتجاوزين وتزجر غيرهم، وبتطبيقها سوف تقل تجاوزات الإساءة، وعقوبة الحبس جوازية للقاضى له عند الإدانة الحكم بها أو عدم الحكم اكتفاءً بالغرامة، وظروف القضية أمامه هى التى تحدد قناعته.
المشكلة فى البرامج الإعلامية أن معديها ومذيعها والقائمين على القنوات الفضائية يرغبون فى المزيد من الإعلانات، والوسيلة الفعالة للوصول إلى هذا الهدف أن تكون تلك البرامج جذابة للمشاهد ولو اقتضى الأمر العديد من التجاوزات الإعلامية المتعلقة بخرق المهنية بخاصة الإثارة وعدم الدقة وعدم تحرى الحقيقة. ومرتب المذيع يحدد دائماً فى ضوء حجم ما يجذبه من إعلانات للقناة الفضائية التى يعمل بها، ولهذا تكون مصلحته الشخصية أهم من مصلحته المهنية ومن مصلحة الوطن.
لقد كرر الرئيس السيسى لقاءاته مع رجال الإعلام لتوضيح دورهم والإجابة عن تساؤلاتهم، واعتقد أنه لن يمل ذلك لأن صدره يتسع للكثير، ورغم هذا فإن تلك اللقاءات لن تكفى لضبط منظومة أداء الإعلام، ويجب أن يتم تشكيل المجلس الأعلى للإعلام من المتخصصين الواعين المدركين لمصلحة الوطن، ويضطلع ذلك المجلس بوضع ضوابط الأداء الإعلامى لضمان أداء دوره المنشود وللحد من تجاوزات بعض الإعلاميين وعقابهم ولو اقتضى الأمر إبعاد من يستمر فى تجاوزاته عن مسيرة الإعلام، ولا سبيل لردع المتجاوزين فى الإعلام ومن يضرون بالوطن ومن لا يعملون بمهنية كاملة إلا بوضع ضوابط إعلامية صارمة يلتزم بها جميع الإعلاميين وبعمل نظام متابعة ورقابة شاملة لجميع البرامج والمواد الإعلامية لرصد التجاوزات ومعاقبـة مرتكبيـها، ولا توجد دولة واحدة فى العالم لا تفرض رقابة على إعلامها، والضرر الذى يلحق بالوطن وبمؤسسات الدولة وبالمواطنين من التجاوزات الإعلاميين أكبر من تهافت بعض القنوات الإعلامية على التجاوز لجذب المزيد من الإعلانات، وحتى حق المشاهد فى المعرفة الذى يتذرع به دائماً بعض المتجاوزين من الإعلاميين يجب أن يقيد بالضوابط المهنية التى تضمن عدم التجاوز الإعلامى. ويجب أن نولى اهتماماً ورقابة لتمويل الإعلام الذى كشف الزمن وسيكشف العديد من التمويل المشبوه لبعض القنوات وبعض الإعلاميين الهادف إلى تدمير الدولة وإعاقة جميع جهودها فى إقرار الأمن وفى التنمية والتقدم.