الحوار الوطنى.. الأختلاف والأنتماءات وحب الظهور.. إلى أين
الحوار الوطني هو تبادل الرأي في القضايا المهمة بين مختلف فئات الشعب السياسية، وفصائله العاملة ، فالتعدد الحزبي والاختلاف الفكري من طبيعة البشر، لذا تنشأ في الدول أحزاب سياسية لها رأيها السياسي الخاص، ورؤيتها المستقلة للأمور بناءً على قناعاتها الخاصة، وفهمها وتقييمها للمصلحة، وتنشأ عادة اجتهادات مختلفة من قبل هذه الأحزاب والمسميات، والكيانات السياسية ومنظمات المجتمع المدنى وجميع فئات الشعب بمختلف إنتمائتها وقد تتعارض فيما بينها، لذا لا بد من اعتماد سياسة الحوار فيما بينها بهدف الخروج إلى رأيٍ توافقيٍ يحقق نظرة وطموح الجميع ، فنحن عندما نتدبر آيات القرآن الكريم نجد الحوار حاضراً فيها في مثل قوله تعالى "وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا" (سورة الكهف)، ونجد ذكر الحوار حاضراً أيضاً في قوله تعالى"قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ" (سورة المجادلة)، يعتبر هذا دليل قاطع على أهمية الحوار وأهمية إتقان آدابه ومهاراته لأنه كان ولا يزال الخطوة الأولى للبحث إما عن حل لمشكلة أو إجابة على تساؤلات قد تدور في ذهن أحد أطراف الحوار، أو لتسوية خلاف أو لغير ذلك ، الحوار كان ولا يزال الوسيلة الأقدم والأسهل والأسرع للتواصل بين الناس منذ فجر البشرية الأول،هناك ما يشبه اتفاقاً من الجميع طبقاً لقراءة آراء ورؤى الكثيرين حول الحوار الوطنى على حسن النوايا وعدم فرض شروط مسبقة أو محاولة للابتزاز والإملاءات، وعدم الإساءة والتشويه، أو النيل من الجهود والتضحيات ، وتظهر أهمية الحوار الوطني أن الأنظمة الراشدة هي التي تجعل من الحوار الوطني نهجاً وسياسة لها، فيزدهر بسياستها الوطن. الدعوة التي أطلقها السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي لإجراء حوار وطني فى نهاية أبريل الماضى خلال حفل إفطار الأسرة المصرية والذى كان أفضل مناسبة للإعلان عن الحوار الوطني بين جميع الأطياف السياسية من دون تمييز، بعد أن جلست جميع طوائف الشعب المصري على مائدة إفطار واحدة على الرغم من اختلافهم اجتماعياً وثقافياً ، الدعوة الى الحوار تبدو ملهمة ولها أبعاد عديدة ، لعل أبرزها تعزيز فكرة تبادل الرؤى بين مختلف الأطياف داخل المجتمع المصري، سواء كانت أحزاب سياسية، أو منظمات المجتمع المدني، أو الحقوقيين أو غيرهم ، فمصر في الوقت الحالي تحتاج إلى مختلف تيارات العمل السياسي لصالح الوطن والمواطن ، وأن الحوار السياسي سيسهم في تعزيز عملية البناء الديمقراطي باعتباره نهجاً دائماً يستهدف تعزيز الرؤى الوطنية وتكاملها ، وتدشن لجمهورية جديدة تقبل بالجميع ولا يمكن فيها أن يفسد الخلاف في الرأي للوطن قضية ، وهو التعبير الذي استخدمه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال خطابه والذى يفتح الآفاق أمام التعايش والتوافق بين كل الأطياف أتفاقا وأختلافا من أجل مصلحة مصر. هناك حاجة ملحة فى الفترة الحالية وفي ظل التحديات العديدة إلى إجراء مثل هذا الحوار الوطني مع كافة القوى السياسية الوطنية دون تمييز أو استثناء ، الدعوة للحوار جاءت في وقت مهم يتطلب التكاتف المجتمعي مع الدولة في ظل ما نشهده من عمليات إرهابية وتحديات كبرى ، فالحوار المرتقب يشكل فرصة للمجتمع المصري لبلورة رؤى جديدة تجاه التحديات، وتوافقًا فى الآراء للوصول الى خطة عمل وطنية لتحقيق آمال المواطنين وما يرجونه من الجمهورية الجديدة ، ولنترك الأمر لفعاليات ونتائج الحوار الوطنى وليس اختزال الأمر فى مكايدات ومناكفات أو محاولات الظهور والاستعراض والتنظير السياسي ، لأننا جميعاً على طاولة الوطن، ننزع من نفوسنا وعقولنا أى أفكار ونوايا ذاتية أو قضايا شخصية أو حتى حزبية، ولتكن جل جهودنا واجتهاداتنا وأرؤانا واقتراحاتنا هدفها الوطن، وهذا الشعب العظيم، لكن مع إمعان النظر والتفكير فيما يجب أن يكون مطروحاً على طاولة الحوار الوطني، ومحاولة مخلصة لتقديم اقتراحات ورؤى تحقق المرجو والمستهدف من هذا الحوار الذى يفتح آفاقاً جديدة للتآلف والاحتشاد والاصطفاف الوطنى فى مواجهة تحديات ومتغيرات وتهديدات وشواغل سياسية واقتصادية واجتماعية وفكرية وثقافية وإعلامية لترتيب جدول الأولويات الوطنية فى المرحلة القادمة، وأن عقد الحوار الوطني تحت مظلة رئاسة الجمهورية هو الضمان الأكيد لتنفيذ مخرجاته، خصوصاً أن الرئيس سيحضر جلساته الختامية، وما سيخلص إليه الحوار سيكون ملزماً ،وبالتالي ترجمة النتائج على أرض الواقع ، وأن وضع شروط مسبقة للمشاركة في الحوار أسلوب مرفوض، لأن فيه نوع من التكبر، خصوصاً أن من يضعون الشروط، مع أغلب الظن أن ليس لهم دوراً من الأساس .