بوخليفة ابن البديع البار
كنا نشتاق إلى جلساته كلما جمعتنا في الفريج الشمالي من البديع مناسبة يكون هو فيها من يتصدى للشرح والتوضيح، كان أحيانًا يظهر قوته من خلال بعض الألعاب البسيطة كوضع يده على الأرض ويأتي أحدنا راكبًا دراجة هوائية ويدوس على أطراف أصابعه في ألعاب اعتبرناها بهلوانية، وكان أيضًا يتحدى بعض سائقي السيارات في أن يتصدى لهم فيعطل سيرهم بما حباه الله من قوة بدنية، لم يستخدمها للإساءة إلى الآخرين وإنما كان يريد أن يشعرنا بأن القوة لازمة للرجل، وأن علينا أن نلعب بعض الألعاب للتسلية والترويح عن النفس ليس إلا.
كان يرحمه الله يحب فنون البحر كونه من أسرة عشقت البحر حرفة ومهنة وتركت حبًا للفن البحري بكل تقسيماته وتفرعاته، زار الدور الشعبية في شمال وجنوب البديع، وكان على علاقة وثيقة بأصحاب الدور الشعبية وروادها، كما كان في صدارة من يمارسون فن العرضة في المناسبات ومنها الأعياد عندما كانت فرق العرضة تتجه إلى قصر الحاكم بالرفاع، فقد كان الحكام من آل خليفة الكرام يقدرون العرضة ورجالها وكانت الدعوة للجميع للمشاركة بفرقهم وتقديم هذا الفن على مدى يومين أو ثلاثة في الساحة المقابلة لقصر الرفاع العامر بمناسبة الأعياد كتقليد أصيل للبحرين.
اضطر المرحوم علي بن جبر بن حمود الدوسري الغياب عن قريته التي أحبها البديع وعمل في شركة يوسف بن أحمد كانو بالقسم البحري، وسافر إلى المملكة العربية السعودية ليعمل في أحد «التكات»، وكان قدره أن تتاح له الفرصة عن طريق هذه الشركة إلى ليبيا التي أعلنت استقلالها في 24 ديسمبر 1951م تحت اسم المملكة الليبية المتحدة، وتم إلغاء النظام الفيدرالي في 26 أبريل 1963م وأصبحت تسمى المملكة الليبية، في ذلك الوقت بدأ التنقيب عن النفط في هذا البلد العربي واكتشف النفط عام 1959م، وتم تصدير أول شحنة في عام 1961م. وطالت غيبة علي عنا وكنا نتحيّن عودته سالمًا ليحدثنا عن مشاهداته ونفرح بعودته إلى الوطن وإلى قريته التي أحبها وأحبته.
وبينما نحن ننتظر هذه العودة وإذا بالبشير يخبرنا أنه لما استفسر من شركة يوسف بن أحمد كانو، أخبروه أن عودة علي بن جبر قريبة إن شاء الله، وكنا نحن أصدقاء علي نخطط لكيفية استقبال علي بما يليق بمكانته ومعزته عندنا والاستماع منه إلى هذه الرحلة الفريدة من نوعها لبلد لا نعرف عنه الكثير، ولكن فرحتنا بأنه ربما الوحيد من البحرينيين الذين زاروا ليبيا في هذا الوقت.
وجاء الوقت الذي عاد إلينا علي بن جبر وفرحت البديع وأهلها بعودة ابنها البار، والكل في شوق للاستماع إليه عن هذا البلد العربي وتسابقت البيوت لاستضافته، وكان علي قد أحضر معه صورًا على شكل بوسكاردات عن ليبيا وما فيها من مناظر وأشجار النخيل والشواطئ، وكانت لفتة منه كريمة لإطلاعنا على هذا البلد وما فيه خيرات طبيعية. وظل علي يتحدث إلينا في البيوت والمقاهي عن تجربته الثرية التي عدها تجربة حياتية لا تنسى. المرحوم علي بن جبر ظل وفيًا لمهنة أجداده وآبائه متعلقًا بالبحر وبما فيه من قيم وتجارب حياتيه ثرية، وكان مرجعًا لمعرفة مصائد الأسماك وطبيعة كل موقع بحري.. وجاءت تجربته القدرية أن التحق بديوان المغفور له بإذن الله تعالى صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء، طيب الله ثراه وأسكنه فسيح جناته، وكانت رحلة علي بن جبر اليومية من البديع إلى الرفاع وإلى دار الحكومة وبعدها إلى قصر القضيبية العامر في قسم الضيافة.
المرحوم علي بن جبر بن حمود الدوسري من رجال البديع الذين كانوا يقفون مع إنجاز أهلها، سواء في الوظائف الحكومية أو الوظائف في القطاع الخاص أو في الإنجازات الرياضية المتعددة، وكان يفرح بما يحققونه من إنجازات، على الرغم من أنه لم يكمل دراسته لكن تجربته الحياتية جعلته يشجع أبناء قريته على التعليم ويحثهم على تحقيق الإنجاز تلو الإنجاز، كحال أهلنا الذين شعروا بأن من واجبهم حث الأبناء على التحصيل العلمي وتعويضهم عما فقدوه لظروف اجتماعية وحياتيه متنوعة... علي بن جبر وجيله لم يدخروا وسعًا في مساعدة أهالي البديع لشق طريقهم في الحياة، علي بن جبر بن حمود الدوسري كان بارًا بوالده الذي فقد البصر وكان الوالد معتزًا بولده علي ويشيد بمناقبه، ولذلك فقد كان المرحوم علي معتزًا بوالده الذي بذل الكثير من أجله، وأحسب أن أبناء علي بن جبر، وهم خليفة وحسين وحمود وجبر، سيكون أبوهم علي قدوة ومثالاً لهم مثلما أحب أبوهم البديع وأهلها، فهم إن شاء الله على هذا الطريق سائرون.
رحم الله الأخ والصديق علي بن جبر بن حمود الدوسري، ومثواه الجنة ورضوان النعيم.
وعلى الخير والمحبة نلتقي..