
محسن عادل
سوق سندات بالبورصة المصرية.. ألم يحن الوقت بعد؟!
تشهد مصر خلال الفترة الحالية حاجة ماسة لتطوير وتحديث سوق السندات البورصة المصرية نتيجة حاجة الشركات للتمويل وتوافر السيولة فى السوق، بالإضافة إلى انخفاض كلفة الاقتراض من خلال هذا السوق، مما سيشجع الشركات اللجوء إلى سوق السندات لتمويل مشاريعها التوسعية خاصة أن حجم سوق ديون مصر لا يزال صغيراً مقارنة بمناطق أخرى تعتبر من الدول الناشئة، لكن هناك نمواً فى هذا القطاع فى مصر على وجه الخصوص كونها تعتزم تنشيط سوق سندات بالعملة المحلية فى الفترة المقبلة.
من هنا تأتى أهمية تطوير سوق سندات الشركات وتنشيطه وإنشاء سوق ثانوى للسندات (Secondary Bond Market) بحيث يساهم فى تمويل الشركات حيث أصبح من الصعب عملية التمويل عن طريق الإدراج فى البورصة الى جانب صعوبات التمويل المصرفى نتيجة الاوضاع الحالية.
بالنظر الى الاسواق العالمية فقد بلغ حجم سوق السندات القائمة للشركات فى الولايات المتحدة الأميركية حوالى 5.92 تريليون دولار أميركى أوما يعادل 39٪ من إجمالى حجم الاقتصاد الأميركى البالغ 15.1 تريليون دولار، حيث يعتبر سوق السندات من أسواق المال الأساسية فى تمويل الشركات ولا يقل أهمية عن أسواق الأسهم وترتفع هذه النسبة إلى 69٪ فى بريطانيا حيث بلغ حجم سوق سندات الشركات نحو 1.7 تريليون دولار أميركى مقارنة مع الناتج المحلى الإجمالى بقيمة 2.5 تريليون دولار أميركى، وكذلك فى ألمانيا حيث تصل النسبة إلى أعلى مستوى لها فى الدول المتقدمة وهى 88٪ بينما تنخفض هذه النسبة فى الصين واليابان الى 33٪ و20٪ على التوالى.
أصبح تطوير سوق ثانوى للسندات وتشجيع الإصدارات الأولية من سندات الشركات ضرورة ملحة فرضتها الأزمة المالية والمناخ الاستثمارى الذى تغير وتطور فى فلسفة الأدوات الاستثمارية، حيث أصبحت السندات أداة أساسية فى توزيع الأصول لأى محفظة استثمارية متنوعة، وكذلك فقد كشفت الأزمة المالية عن عيوب التمويل فى عدد كبير من الشركات، حيث اعتمدت على التمويل قصير الأجل لشراء أصول واستثمارات طويلة الأجل. وعند أول صدمة فى سوق الائتمان، امتنعت البنوك عن التمويل قصير الأجل وداهمت الاستحقاقات قصيرة الأجل لتلك الشركات التى فقدت السيولة وواجهت مشكلة السيولة.
ان سوق السندات تفتقر حالياً إلى وجود منحنى عائد كامل على الرغم من العدد المرتفع نسبياً للإصدارات السيادية. ونظراً لغياب منحنى العائد، فإن قرارات تسعير السندات ترجع بصورة أساسية إلى إدراك المستثمرين للمخاطر ومتطلبات العائد التى يحددها هؤلاء المستثمرون حيث ان غياب منحنى العائد السيادى العالمى يفرض تحدياً كبيراً فى تسعير عمليات إصدار السندات بالعملات الأجنبية من قبل الشركات.
ومع ذلك، فإن تطور سوق سندات فى البلاد يتسم بالعمق والسيولة يعتبر أمراً متوقعاً، حيث يتوقف على تطوير اللوائح الخاصة بالسوق، وكذلك فى تشجيع نمو قاعدة مستثمرين تتمتع بالتنوع على المشاركة فيه.
إن وجود هذه السوق النشط فى مصر من شأنه أن يؤثر بشكل إيجابى على الاقتصاد المصرى نظراً لاعتماد الشركات بصفة اساسية فى التمويل على الموارد الذاتية وعلى القروض البنكية وهو معوق تمويلى واضح فمع قلة موارد التمويل، أصبحت سوق الديون الطريقة الوحيدة التى يمكن للشركات اتباعها للحصول على التمويل كما ان الطلب على سوق السندات جاء فى مرحلة لاحقة من دورة التطور الاقتصادى وتطور الأسواق المالية، إذ يتم عادة دعم المراحل الأولى من تطوير الاقتصاد بالاعتماد على طرق التمويل الذاتى المتاح، ومن ثم يستعان بالتمويل البنكى.
يجب التأكيد انه فى الوقت الذى تسعى فيه الحكومة لمواصلة سياساتها الرامية لتنويع موارد الاقتصاد للتعاطى مع النمو المطرد فى عدد السكان، والذى ترافق مع تأثر الشركات بإحجام البنوك عن الإقراض فستلجأ الحكومة للاستعانة بأسواق السندات للحصول على التمويل اللازم ولسداد القروض الحالية وتغطية نفقات المشاريع الإنمائية المستقبلية فانه فى الظرف الراهن، فإن الكثير سيعتمد على قيم الأصول وتقلباتها على الأرجح، ومدى مرونة الممولين الذين يأملون فى الحصول على طلبات تمويل الأصول المالية، علاوة على البيئة التنظيمية لهذا النوع من الصفقات.
ان أسواق رأسمال الدين أصبحت جزءاً لا يتجزأ من الاستراتيجية الجديدة التى باتت تنهجها المؤسسات المالية والبنوك للتحرك إلى الأمام فى منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا مما يستدعى تفعيلا اكثر شمولا للدور المصرى خلال هذه المرحلة.