
محسن عادل
زيادة إنتاجية الفرد سبيل للازدهار البعيد المدى
حتى نلقى نظرة على معجزة نمو الانتاجية لا يوجد مكان أفضل من حقول الذرة الوفيرة فى الولايات المتحدة الاميركية. قبل 100 عام، كان جيش من المزارعين يكدون فى العمل لانتاج 30 بوشل (مكيال للحبوب) للفدان، أما الآن، فان الأمر لا يحتاج سوى الى عدد قليل من العمال لانتاج 160 بوشل من الأرض نفسها. يرتكز صعود الحضارة الحديثة على هذا الاتجاه: اذ يجب على كل شخص انتاج المزيد. فعلى مدى الـ120سنة الماضية، كما لو كان هناك قانون ثابت وملزم، زاد الناتج للفرد الواحد من السكان بمعدل 2٪ سنويا. لكن هل تستمر الحال على ما هى عليه؟ هناك خوف، عبَّر عنه خبراء اقتصاديون ثقات مثل روبرت غوردون من جامعة نورث ويسترين، بأن 2٪ ليست قانونا بل موجة انتهت. ووفق تحليل البروفسور غوردون، فان نسبة 2٪ يمكن بسهولة أن تصبح 1٪ أو حتى أقل خلال الأعوام الـ120 المقبلة. مجلس الاحتياطى الفيدرالى يخفض منذ مدة توقعاته لأسعار الفائدة على المدى البعيد. وكانت جانيت ييلين، رئيسة مجلس الاحتياطى الفيدرالى قد قالت فى أحدث مؤتمر صحفى لها «السبب الأكثر ترجيحا لهذا الأمر وجود تراجع طفيف فى التوقعات المتعلقة بالنمو على المدى الطويل». لكن يوجد هناك أيضاً بعض المتفائلين بالتكنولوجيا، مثل ايريك برينولفسون وأندرو ماكافى من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، اللذين يؤمنان بأن الاكتشافات الجديدة فى هذا المجال ستزيد من سرعة النمو وليس تراجعه. ثم هناك خبراء الاقتصاد الأكثر هدوءا الذين يقدمون اجابات أقل اثارة وأقل تضاربا أيضا، والذين يتوقعون نسبة أقل بقليل من 2٪ للنمو فى الناتج للفرد الواحد. تعتبر مسألة الانتاجية ذات أهمية بالغة فى التأثير فى الاقتصاد الأميركى وفى كل شىء بدءا من متى ينبغى رفع أسعار الفائدة الى أين يجب أن تبلغ ذروتها، ومن قدرة الولايات المتحدة الأميركية على الايفاء بالتزاماتها وسداد ديونها الى ما هى المستويات الأكثر حكمة لاستثمارات كل شركة فى البلاد؟ ويعتمد الجواب على شركات من قبيل مؤسسة المناخ التى تخوض معركة نمو الانتاجية الزراعية من جبهتها الأمامية الجديدة فى مكاتب مبانى وادى السيلكون. وتعمل مؤسسة المناخ، التى اشترتها شركة مونسانتو بمبلغ 930 مليون دولار، على مبدأ «الزراعة الدقيقة» من خلال جلب قوة علم البيانات للتأثير فى الزراعة. فعلى سبيل المثال، تقول الشركة أنه عند دمج استخدام السماد ونوع التربة وبيانات المناخ وغيرها من المعلومات فى قاعدة بيانات واحدة، يمكنها أن تخبر المزارعين بدقة عن كمية النيتروجين الموجودة فى أى حقل وبالتالى كمية السماد التى يحتاجون الى استخدامها. ويمكن أن تصل الزيادة فى العائدات الى 5٪، وهى ليست سوى البداية.
وتعتبر مسألة قدرة أجهزة الكمبيوتر على الاستمرار فى تقديم مساهمات واسعة للانتاجية واحدة من القضايا الملحة الأكثر أهمية. لكنها ليست القضية الوحيدة. فالنمو فى الناتج المحلى الاجمالى، وهى الاحصائية المألوفة التى تقاس على أساسها جميع الاقتصادات، يمكن أن يتحقق بعدة طرق: المزيد من العمال بمهارات أفضل ومزيد من رأس المال مثل المصانع والطرق والآلات أو تكنولوجيا جديدة. وعند ترك الفئة الأخيرة جانبا، فان الاجماع بين خبراء الاقتصاد هو أن معظمها لن يسهم كثيرا فى نمو الاقتصاد، كما كانت تفعل فى الماضى. بداية، نمو السكان فى الولايات المتحدة عند أدنى مستوياته منذ الثلاثينيات، بعد أن تراجع من حوالى 1.2٪ سنويا فى التسعينيات الى 0.7٪ فى السنوات الأخيرة. وهو لا يؤثر فى نمو مستويات المعيشة، مما يعنى مستهلكين أقل وعمالا أقل، لكن اضافة قوة عاملة أقل ستعمل على تباطؤ معدل نمو الناتج المحلى الاجمالى الرئيسى الذى يقلق مجلس الاحتياطى الفيدرالى.
علاوة على ذلك، ستعمل التركيبة السكانية على ابطاء النمو فى الناتج المحلى الاجمالى للفرد الواحد، وهو الذى يؤثر فى مستويات المعيشة. وتعنى الشيخوخة عددا أقل من العمالة الناشطة لكل فرد من السكان، اضافة الى أن معظم النساء انضممن بالفعل الى قوة العمل فى الولايات المتحدة ما يعنى أن مصدر العمالة الاضافية ينفد. ويقدر البروفيسور غوردون أن التركيبة السكانية يمكن أن تنقص بنسبة 0.3٪ عن اتجاه النمو بعيد المدى البالغ 2٪.
ويقول جون فيرنالد وهو مستشار أبحاث بارز فى بنك الاحتياطى الفيدرالى فى سان فرانسيسكو «يتفق الجميع تقريباً فى توقع نمو أبطأ فى ساعات العمل نسبة إلى ما شهدناه فى السنوات الخمسين الماضية».
ومع ذلك، فإن المقياس الأكثر صدقية للتقدم الاقتصادى يتمثل فى نمو الناتج المحلى الإجمالى لكل ساعة عمل. أى بمعنى ما الذى يتم إنجازه عن كل ساعة عمل يقوم بها الإنسان؟ هنا أيضاً بدأت بعض العوامل التى حفزت النمو فى الماضى تضعف مثل المهارات والتعليم. إذ ساهم التوسع فى التعليم الابتدائى والثانوى ومن ثم الجامعى فى النمو الاقتصادى لأجيال، ولكن متوسط سنوات التعليم بلغ مرحلة الاستقرار. فكما يقول البروفيسور غوردون «تتراجع الولايات المتحدة فى تصنيف إكمال سنوات التعليم الجامعى والثانوى»، ويشير إلى أن هذا يشكل 0.2٪ إضافية فى تراجع النمو لكل فرد. ويترك ذلك خيار التكنولوجيا. ويقول البروفسور برينولفسون «أتفق مع الكثير مما يقوله بشأن تباطؤ التركيبة السكانية، ولكن ما نختلف بشأنه هو إمكانات الابتكار فى المستقبل». ويصور النمو فى الناتج المحلى الإجمالى نمطاً مثيراً للاهتمام مع مرور الوقت. فوفق البروفيسور غوردون، كان النمو البالغ 2.7٪ سريعاً من القرن التاسع عشر حتى عام 1972، ثم تباطأ بعد ذلك إلى 1.4٪ سنوياً حتى عام 1996.
ودفعت طفرة الإنترنت المعدل إلى 2.6٪ وهى الفترة التى أدت بآلان غرينسبان رئيس مجلس الاحتياطى السابق للحديث عن «موسم الانتاجية»، ولكن بحلول 2004، أى قبل الأزمة المالية انتهت موجة الارتفاع. ومنذ عام 2004، ومع استثناء مشكلة القياس، بلغ النمو فى الإنتاجية لكل ساعة 1.3٪.
والخلاف هو هذا: فى العقود المقبلة، هل يتعين علينا أن نتوقع نمواً مثل الذى شهدناه فى الفترة من 1996 إلى 2004 عند 2.5٪ أم نمواً كالذى شهدناه خلال الفترة منذ عام 2004 عند 1.3٪؟ وفى حين أن البروفيسور برينولفسون لديه رؤية «ستار تريك» للتقدم التكنولوجى المثالى والخيالى، يؤمن البروفيسور غوردون أكثر بالخيال العلمى، حيث يتخيل عالماً قد تصبح فيه أجهزة الكمبيوتر أكثر قوة وتتحسن فيه مستويات المعيشة للإنسان العادى ببطء.
الحوسبة هى جذور تفاؤل البروفيسور برينولفسون: فكتابه الذى ألّفه بالاشتراك مع البروفيسور مكافى يحمل عنوان «العصر الثانى للآلة»، ويجادل فيه بأن تأثير تكنولوجيا المعلومات قد بدأ يتحقق للتو. التوسع الكبير فى قوة الحوسبة والقدرة على نشر الابتكارات بسرعة قد يعنى نمواً كالذى شهدناه فى أواخر التسعينيات. ويقول البروفيسور برينولفسون «السبب وراء تفاؤلى هو أننى لا أعتمد أصلاً على استقراء الاتجاهات الاقتصادية الماضية. فبعد زيارة المختبرات، ذهلت بما يجرى تطويره. ومعظمه لم يصل بعد إلى مرحلة التسويق التجارى». وبدلاً من الإشارة إلى البيانات التاريخية، يشير إلى سيارة غوغل ذاتية القيادة وإلى الإمكانات التى تحملها أنظمة الكمبيوتر التى تشخص الأمراض، وتجيب عن الاستفسارات القانونية، وإلى المرونة المتزايدة للروبوتات. ومن شأن هذه الأتمتة أن تطلق مجموعة من العمالة من أجل تولى مهام جديدة تماماً كما فعلت الابتكارات الأخرى فى الماضى، «سواء كانت الروبوتات أو البرمجيات لأعمال المعرفة، فإذا أوصلت مدخلات العمل إلى الصفر، فستحصل على رقم إنتاجية كبير جداً». فى المقابل، يتوقع الربوفيسور غوردون وتيرة أبطأ فى نمو الإنتاجية، ربما على نحو يتماشى مع ما تحقق فى السنوات العشر الماضية. ولبلوغ ذلك الهدف، يعنى الحفاظ على تدفق مستمر من الإنتاجات والابتكارات الجديدة مثل الهواتف الذكية.