السوق العربية المشتركة | تركيا وغواية الهيمنة.. من النفوذ الناعم إلى النفوذ المسلح

الهيمنة ككل محاولات التنمر الاقليمي والدولي هي غواية ممارسة النفوذ على الغير بالتسلل الناعم او بالقوة الغاشمة.

السوق العربية المشتركة

الأحد 24 نوفمبر 2024 - 06:22
رئيس مجلس الإدارة
أمانى الموجى
رئيس التحرير
أشرف أبوطالب
تركيا وغواية الهيمنة.. من النفوذ الناعم إلى النفوذ المسلح

تركيا وغواية الهيمنة.. من النفوذ الناعم إلى النفوذ المسلح

الهيمنة ككل محاولات التنمر الاقليمي والدولي هي غواية ممارسة النفوذ على الغير بالتسلل الناعم او بالقوة الغاشمة.. وقد شهدنا في السنوات القليلة الماضية تطور جيو سياسي تركي ملفت للنظر ومقلق في الوقت نفسه، فالبلد بات يتحول من النفوذ الناعم المتمثل بالمشاريع الانشائية والمقاولات وغزو الاسواق وتعظيم حجم التبادلات التجارية الى استعراض القوة وتشييد القواعد العسكرية في ست دول عربية ( العراق، سوريا، ليبيا، قطر، السودان والصومال) وتحريك القوات خارج الحدود لفرض النفوذ المسلح..      تأسست الجمهورية التركية على انقاض السلطنة العثمانية عام 1923، وشيدت اسسها النظرية على المبدأ الاتاتوركي "سلام في الداخل وسلام في الخارج"، وأوكل اتاتورك للجيش مهمة حماية الجمهورية وصيانة علمانية الدولة، وهو ما سارت عليه الحكومات التركية المتعاقبة، و واصله منظرو حزب العدالة والتنمية عند توليهم السلطة عام 2002 من خلال طروحات احمد داوود اغولو الذي عمل على مبدأ يقول بتصفير المشاكل في الداخل والخارج، وهو مبدأ يسير على نفس الطريق الاتاتوركي. وقد نصح اوغلو بضرورة الالتفاف لما اسماه "الحديقة الخلفية" لتركيا، ويقصد الدول العربية والاسلامية، والعمل على إعادة إحياء النفوذ العثماني. وتلك افكار ضمنها كتابه "العمق الاستراتيجي" .



       ومع انتقال اوغلو من وزارة الخارجية الى رئاسة الحكومة جرى فرض تنظيراته نفسها ليس على سياسة تركيا الخارجية فحسب ، بل على سياسة الحكومة نفسها، وحدث على اثرها تضارب ما بين سياستين : الاولى ناعمة ومتسللة نحو اهدافها ببطىء، والثانية متعجلة طموحة ومحتدمة مع الاخرين، وربما ساهم ذلك بتغيير حكومة اوغلو والقطيعة مع تنظيراته، لتبدأ مرحلة جديدة عززت اركانها الانتفاضات العربية وما سمي بالربيع العربي، وسرع وتيرتها الانقلاب العسكري التركي الفاشل عام 2016.     بيد أن المقلق في هذا التحول التركي الجديد هو تعاظم "غواية الهيمنة" بتحويل تركيا الى "قوة كبرى" في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا – كما يقول سولي أوزيل الاستاذ في جامعة قادر هاس باسطنبول- ووصفَ قادة تركيا هذه القوة بكونها "يتعذّر وقفها"!! ونحن اذ نتساءل عما تعنيه جملة "يتعذر وقفها" يمكننا التأكيد على أن "القوة" التركية ماضية بطريقها ومستعدة للتورط في مشاريع احياء "هوس العثمنة" اقليمياً.. ودليلنا ان هوس "عظمة تركيا" بات يتردد في كل الارجاء: تركيا تفتتح اعظم مطار في العالم وأنشأت اعظم نفق في العالم وبنت اعظم جسر (جنان قلعة) .. وهكذا تتراكم اوهام العظمة ، وكأن لا وجود لمشاريع كبرى في الصين واليابان وامريكا واوروبا وبقية العالم!!.

      لوقت غير بعيد كانت تركيا من الدول التي يضرب بها المثل في ميدان دور الجيش في تنشيط عمليات التنمية والتجارة والصناعة في البلاد، وقد اتاحت وصاية الجيش على النظام الجمهوري للقوات المسلحة امتيازات اقتصادية كبيرة، فقد أسس الجيش شركات كبرى تجاوز رقم اعمالها مبلغ الـ 20 مليار دولار . وقد لاحظنا من خلال استخدام القوات المسلحة في النشاطات التنموية، الكيفية التي جرى بها توظيف القوات المسلحة لخدمة النفوذ الناعم. لقد نجح هذا التوظيف الى حد بعيد في ميادين التصنيع والانشاءات والبنى التحتية والتجارة وامتدت تأثيراته خارج الحدود، وادخل تركيا الى نادي الاغنياء الاقوياء العشرين.      وقد مثلت تركيا في بداية الامر القوة الاقليمية المعتدلة التي تلجأ لها دول المنطقة، وبدل ان يعزز هذا الاتجاه سياسة النفوذ الناعم مع الجيران، أيقظ فيها الطموحات العثمانية، مستفيدة من فوضى الثورات العربية والتفاهمات الاستراتيجية مع اسرائيل والعلاقات الاقتصادية مع ايران ومن عضويتها في الحلف الاطلسي ووجود عشرات القواعد العسكرية الامريكية على اراضيها، قامت السياسة التركية الجديدة بإنهاء سياسة "سلام في الداخل وسلام في الخارج" و"تصفير المشاكل"، وحولت نجاحاتها الاقتصادية الى مخالب عسكرية.

      ومما لا ريب فيه ان ما يجري يضر الى حد بعيد بصورة تركيا التاريخية و الاقليمية، فنظامها السياسي  يخترق يوماً بعد يوم سيادات عدد من الدول العربية بذريعة امن تركيا القومي، وكأن هذه الخروقات لا تعرض امننا القومي العربي للخطر!! طيلة قرابة مائة عام من عمر الجمهورية التركية لم يعرض جيرانها امنها القومي للخطر ولكن نظامها اليوم يسعى بذريعة واهية الى فرض نفوذه بسلاح "غواية الهيمنة" وهي غواية تحاول نيل المستحيل ولن يكتب لها النجاح.